باب المعرب و المبني
إن قال قائل ما المعرب والمبني قيل أما المعرب فهو ما تغير آخره بتغير العامل فيه لفظا أو تقديرا وهو على ضربين اسم متمكن وفعل مضارع فالاسم المتمكن ما لم يشابه الحرف ولم يتضمن معناه
والفعل المضارع ما كانت في أوله إحدى الزوائد الأربع و هي الهمزة والنون والتاء و ا لياء فإن قيل لم زيدت هذه الأحرف دون غيرها قيل لأن الأصل أن تزاد حروف المد واللين وهي الواو والياء والألف إلا أن الألف لما لم يمكن زيادتها أولا لأن الألف لا تكون إلا ساكنة والابتداء بالساكن محال أبدلوا منها الهمزة لقرب مخرجيهما لأنهما هوائيان يخرجان من أقصى الحلق وكذلك الواو ايضا لما لم يمكن زيادتها أولا لأنه ليس في كلام العرب واو زيدت أولا أبدلوا منها التاء لأنها تبدل منها كثيرا ألا ترى أنهم قالوا تراث وتجاه وتخمة وتهمة وتيقور وتولج قال الشاعرا - من الرجز -
( متخذا من عضوات تولجا ... )
وهو بيت الصائد والأصل وراث ووجاه ووخمة ووهمة وويقور لأنه من الوقار ووولج لأنه من الولوج فأبدلوا التاء من الواو في هذه المواضع كلها وكذلك ههنا.
وأما الياء فزيدت لأنها لم يعرض فيها ما يمنع من زيادتها كما عرض في الألف والواو وأما النون فإنما زيدت لأنها تشبه حروف المد واللين وتزاد معها في باب الزيدين و الزيدين.
والتحقيق في ترتيب هذه الأحرف أن تقدم الهمزة ثم النون ثم التاء ثم الياء وذلك لأن الهمزة للمتكلم وحده والنون للمتكلم ولمن معه والتاء للمخاطب والياء للغائب والأصل أن يخبر الإنسان عن نفسه ثم عن نفسه وعمن معه ثم المخاطب ثم الغائب فهذا هو التحقيق في ترتيب هذه الأحرف في أول الفعل المضارع.

فإن قيل فالفعل المضارع محمول على الاسم في الإعراب أم هو اصل فيه قيل لا بل هو محمول على الاسم في الإعراب وليس بأصل فيه لأن الأصل في الإعراب أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف وذلك لأن الأسماء تتضمن معاني مختلفة نحو الفاعلية والمفعولية والإضافة فلو لم تعرب لالتبست هذه المعاني بعضها ببعض يدلك على ذلك أنك لو قلت ما أحسن زيدا لكنت متعجبا ولو قلت ما أحسن زيد لكنت نافيا ولو قلت ما أحسن زيد لكنت مستفهما ا فلو لم تعرب في هذه المواضع لالتبس التعجب بالنفي والنفي بالاستفهام واشتبهت هذه المعاني بعضها ببعض وإزالة الالتباس واجب.
وأما الأفعال والحروف فإنها تدل على ما وضعت له بصيغها فعدم الإعراب لا يخل بمعانيها ولا يورث لبسا فيها والإعراب زيادة والحكيم لا يزيد شيئا لغير فائدة فإن قيل فإذا كان الأصل في الفعل المضارع أن يكون مبنيا فلم حمل على الاسم في الإعراب قيل إنما حمل الفعل المضارع على الاسم في الإعراب لأنه ضارع الاسم ولهذا سمي مضارعا والمضارعة المشابهة ومنها سمي الضرع ضرعا لأنه يشابه أخاه ووجه المشابهة بين هذا الفعل والاسم من خمسة أوجه الوجه الأول أنه يكون شائعا فيتخصص كما أن الاسم يكون شائعا فيتخصص، ألا ترى أنك تقول يقوم فيصلح للحال والاستقبال فإذا أدخلت عليه السين أو سوف اختص بالاستقبال كما أنك تقول رجل فيصلح لجميع الرجال فإذا أدخلت عليه الألف واللام اختص برجل بعينه فلما اختص هذا الفعل بعد شياعه كما أن الاسم يختص بعد شياعه فقد شابهه من هذا والوجه الوجه الثاني أنه تدخل عليه لام الابتداء كما تدخل على الاسم ألا ترى أنك تقول أن زيدا ليقوم كما تقول أن زيدا لقائم ولام الابتداء تختص بالأسماء فلما دخلت على هذا الفعل دل على مشابهة بينهما والذي يدل على ذلك أن فعل الأمر والفعل الماضي لما بعدا عن شبه الاسم لم تدخل هذه اللام عليهما ألا ترى أنك لو قلت لأكرم زيدا يا عمرو أو إن زيدا لقام لكان خلفا من القول والوجه الثالث أن هذا الفعل يشترك فيه الحال والاستقبال فأشبه الأسماء المشتركة كالعين ينطلق على العين الباصرة وعلى عين الماء وعلى غير ذلك و الوجه الرابع أنه يكون صفة كما يكون الاسم كذلك تقول مررت برجل يضرب كما تقول مررت برجل ضارب، فقد قام يضرب مقام ضارب والوجه الخامس أن الفعل المضارع يجري على اسم الفاعل في حركاته وسكونه ألا ترى أن يضرب على وزن ضارب في حركاته وسكونه ولهذا عمل اسم الفاعل عمل الفعل، فلما أشبه الفعل المضارع الاسم من هذه الأوجه استحق جملة الإعراب الذي هو الرفع والنصب والجزم ولكل واحد من هذه الأنواع عامل يختص به أما عامل الرفع فاختلف النحويون فيه فذهب البصريون إلى أنه يرتفع لقيامه مقام الاسم وهو عامل معنوي لا لفظي فأشبه الابتداء وكما أن الابتداء يوجب الرفع فكذلك ما أشبهه فإن قيل هذا ينتقض بالفعل الماضي فإنه يقوم مقام الاسم ولا يرتفع قيل إنما لم يرتفع لأنه لم يثبت له استحقاق جملة الإعراب فلم يكن هذا العامل موجبا له الرفع لأنه نوع منه بخلاف الفعل المضارع فإنه يستحق جملة الإعراب للمشابهة التي ذكرناها قبل فبان الفرق بينهما وأما الكوفيون فاختلفوا فذهب الكسائي إلى أنه يرتفع بالزائد في أوله وذهب الفراء إلى أنه يرتفع لسلامته من العوامل الناصبة والجازمة فأما قول الكسائي فظاهر الفساد لأنه لو كان الزائد في أوله ا هو الموجب للرفع لوجب ألا يجوز نصب الفعل ولا جزمه مع وجوده لأن عامل النصب والجزم لا يدخل على عامل الرفع فلما وجب نصبه بدخول النواصب و جزمه بدخول الجوازم دل على أن الزائد ليس هو العامل وأما قول الفراء فلا ينفك من ضعف وذلك لأنه يؤدي إلى أن يكون النصب والجرم قبل الرفع لأنه قال لسلامته ملي العوامل الناصبة والجازمة والرفع قبل النصب والجزم فلهذا كان هذا القول ضعيفا وأما عوامل النصب فنحو أن ولن وكي وإذن وأما عوامل الجزم فنحو لم ولما ولام الأمر ولا في النهى.
ولعوامل النصب والجزم موضع نذكرها فيه إن شاء الله تعالى.
وأما المبني فهو ضد المعرب وهو ما لم يتغير آخره بتغير العامل فيه فمن ذلك الاسم غير المتمكن و الفعل غير المضارع فأما الاسم غير المتمكن فنحو من وكم وقبل وبعد وأين طريقة كيف وأمس وهؤلاء وإنما بنيت هذه الأسماء لأنها أشبهت الحروف أو تضمنت معناها فأما من فإنها بنيت لأنها لا تخلو إما أن تكون استفهامية أو شرطيه أو اسما موصولا أو نكرة موصوفة فإن كانت استفهامية فقد تضمنت معنى حرف الاستفهام وان كانت شرطية فقد تضمنت معنى حرف الشرط وإن كانت اسما موصولا فقد تنزلت منزلة بعض الكلمةا وبعض الكلمة مبني وان كانت نكرة موصوفة فقد تنزلت منزلة الموصولة وأما كم فإنما بيت لأنها لا تخلو إما أن تكون استفهامية أوخبرية فإن كانت استفهامية فقد تضمنت معنى حرف الاستفهام وإن كانت خبرية فهي نقيضة رب لأن رب للتقليل و كم للتكثير وهم يحملون الشيء على ضده كما يحملونه على نظيره وبنيت من و كم على السكون لأنه الأصل في البناء ولم يعرض فيهما ما يوجب بناءهما على حركة فبقيا على الأصل.
وأما قبل وبعد فإنما بنيا لأن الأصل فيهما أن يستعملا مضافين إلى ما بعدهما فلما اقتطعا عن الإضافة والمضاف مع المضاف إليه بمنزلة كلمة واحدة تنزلا منزلة بعض الكلمة وبعض الكلمة مبني قال الله تعالى لله ( الأمر من قبل ومن بعد ) و إنما بنيا على حركة لأن كل واحد منهما كان له حالة إعراب قبل البناء فوجب أن يبنيا على حركة تمييزا لهما على ما بني وليس له حالة إعراب نحو من وكم وقيل إنما بنيا على حركة لالتقاء الساكنين والقول الصحيح هو الأول فإن قيل فلم كانت الحركة ضمة قيل لوجهين أحدهما أنه لما حذف المضاف إليه بنيا على أقوى الحركات وهي الضمة تعويضا عن المحذوف وتقوية لهما.

والوجه الثاني إنما بنوهما على الضم لأن النصب والجر يدخلهما نحو جئت قبلك ومن قبلك وأما الرفع فلا يدخلهما البتة فلو بنوهما على الفتح أو الكسر لالتبست حركة الإعراب بحركة البناء فبنوهما على حركة لا تدخلهما وهي الضمة لئلا تلتبس حركة الإعراب بحركة البناء وأما أين و طريقة كيف فإنما بنيا لأنهما تضمنا معنى حرف الاستفهام لأن أين سؤال عن المكان و طريقة كيف سؤال عن الحال فلما تضمنا معنى حرف الاستفهام وجب أن يبنيا وإنما بنيا على حركة لالتقاء الساكنين وإنما كانت الحركة فتحة لأنها أخف الحركات وأما أمس فإنما بنيت لأنها تضمنت معنى لام التعريف لأن الأصل في أمس الأمس فلما تضمنت معنى اللام تضمنت معنى الحرف فوجب أن تبنى وإنما بنيت على حركة لالتقاء الساكنين وإنما كانت الحركة كسرة لأنها الأصل في التحريك لالتقاء الساكنين ومن العرب من يجعل أمس معدولة عن لام التعريف فيجعلها غير مصروفة قال الشاعر - من الرجز:
( لقد رأيت عجبا مذ أمسا عجائزا مثل السعالي قعسا ) وأما هؤلاء فإنما بنيت لتضمنها معنى حرف الاشارة وأن لم ينطق به لأن الأصل في الإشارة أن تكون بالحرف كالشرط والنفي والتمني والعطف إلى غير ذلك من المعاني إلا أنهم لما لم يفعلوا ذلك ضمنوا هؤلاء معنى حرف الإشارة فبنوها ونظير هؤلاء ما التي في التعجب فإنها بنيت لتضمنها معنى حرف التعجب وان لم يكن له حرف ينطق به لأن الأصل في التعجب أن يكون بالحرف كغيره من المعاني إلا أنهم لما لم يفعلوا ذلك ضمنوا ماا معنى حرف التعجب فبنوها كما بنوا ما إذا تضمنت معنى حرف الاستفهام والشرط فكذلك ههنا وأما الفعل غير المضارع فهو على ضربين أحدهما الفعل الماضي والآخر فعل الأمر فأما الفعل الماضي فنحو ذهب وعلم وشرف واستخرج ودحرج واحرنجم وأما فعل الأمر فنحو اذهب واعلم واشرف واستخرج ودحرج واحرنجم وسنذكر لم بني الفعل الماضي على الفتح ولم بني فعل الأمر على الوقف وخلاف النحويين فيه في بابه إن شاء الله تعالى وأما الحروف فكلها مبنية لم يعرب منها شيء لبقائها على اصلها في البناء فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

باب إعراب الاسم
المفرد إن قال قائل على كم ضربا الاسم المفرد قيل على ضربين صحيح ومعتل فالصحيح في عرف النحويين ما لم يكن آخره الفا ولا ياء قبلها كسرة نحو رجل وفرس وما أشبه ذلك وهو على ضربين منصرف وغير منصرف
فالمنصرف ما دخله الحركات الثلاث مع التنوين نحو هذا زيد و رأيت زيدا و مررت بزيد وهذا الضرب يسمى الأمكن وقد يسمى أيضا متمكنافإن قيل لم جعلوا التنوين علامة للصرف دون غيره قيل لأن أولى ما يزاد حروف المد واللين وهي الألف والياء والواو إلا أنهم عدلوا عن زيادتها إلى التنوين لما يلزم من اعتلالها وانتقالها ألا ترى أنهم لو جعلوا الواو علامة للصرف لانقلبت ياء في الجر لانكسار ما قبلها وكذلك حكم الياء والألف في الاعتلال والانتقال من حال إلى حال وكان التنوين أولى من غيره لأنه خفيف يضارع حروف العلة ألا ترى أنه غنة في الخيشوم وأنه لا معتمد له في الحلق الحق فأشبه الألف إذ كان حرفا هوائيا فإن قيل ولماذا دخل التنوين الكلام قيل اختلف النحويون في ذلك،فذهب سيبويه إلى أنه دخل الكلام علامة للأخف عليهم و الأمكن عندهم و ذهب بعض النحويين إلى أنه دخل فرقا بين الفعل والاسم وذهب آخرون إلى أنه دخل فرقا بين ما ينصرف وما لا ينصرف وأما غير المنصرف فما لم يدخله الجر مع التنوين وكان ثانيا من جهتين نحو مررت بأحمد و إبراهيم وما أشبه ذلك وإنما منع هذا الضرب من الأسماء الصرف لأنه أشبه الفعل فمنع من التنوين ومنع من الجر تبعا للتنوين لما بينهما من المصاحبة وذهب بعض النحويين إلى أنه منع الجر لأنه أشبه الفعل والفعل لا يدخله جر ولا تنوين فكذلك ما أشبهه وهذا الضرب يسمى المتمكن ولا يسمى أمكن و كل أمكن متمكن وليس كل متمكن أمكن فإن قيل فلم يدخل الجر مع الألف واللام والإضافة قيل للأمن من دخول التنوين مع الألف واللام والإضافة وسترى هذا في موضعه إن شاء الله تعالى والمعتل ما كان آخره ألفا أو ياء قبلها كسرة وهو على ضربين منقوص و مقصور أما المنقوص فما كان في آخره ياء خفيفة قبلها كسرة وذلك نحو القاضي و الداعي فإن قيل فلم سمي منقوصا قلا لأنه نقص الرفع والجر تقول هذا قاض يا فتى ومررت بقاض يا فتى والأصل هذا قاضي ومررت بقاضي إلا أنهم استثقلوا الضمة والكسرة على الياء فحذفوهما فبقيت الياء ساكنة والتنوين ساكن فحذفوا الياء لالتقاء الساكنين وكان حذف الياء أولى من حذف التنوين لوجهين أحدهما أن الياء إذا حذفت بقي في اللفظ ما يدل عليها وهي الكسرة بخلاف التنوين فإنه لو حذف لم يبق في اللفظ ما يدل على حذفه فلما وجب حذف أحدهما كان حذف ما في اللفظ دلالة على حذفه أولى.
و الثاني أن التنوين دخل لمعنى وهو الصرف وأما الياء فليست كذلك فلما وجب حذف أحدهما كان حذف ما لم يدخل لمعنى أولى من حذف ما دخل لمعنى وأما إذا كان منصوبا فهو بمنزلة الصحيح لخفة الفتحة فإن قيل الحركات كلها تستثقل على حرف العلة بدليل جاهز قولهم باب وناب والأصل فيهما بوب ونيب إلا أنهم استثقلوا الفتحة على الواو والياء فقلبوا كل واحدة منهما ألفا قيل الفتحة في هذا النحو لازمة ليست بعارضة بخلاف الفتحه التي على ياء قاض فإنها عارضة وليست بلازمة فلهذا المعنى استثقلوا الفتحة في نحو باب وناب ولم يستثقلوها في نحو قاض

فإن وقفت على المرفوع والمجرور من هذا الضرب كان لك فيه مذهبان إسقاط الياء وإثباتها واختلف النحويون في الأجود منهما فذهب سيبويه إلى أن حذف الياء أجود إجراء للوقف على الوصل لأن الوصل هو الأصل وذهب يونس إلى أن إثبات الياء أجود لأن الياء إنما حذفت لأجل التنوين ولا تنوين في الوقف فوجب رد الياء وقد قرأ بهما القراء قال تعالى ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ) بغير ياء وقد قرأ بعضهم بالياء فإن كان منصوبا أبدلت من تنوينه ألفا كالأسماء المنصرفة الصحيحة فتقول رأيت قاضيا كما تقول رأيت ضاربا فإن كان فيه ألف ولام كان حكمه في الوصل حكم ما ليس فيه ألف ولام في حذف الضمة والكسرة ودخول الفتحة وكان لك أيضا في الوقف في حالة الرفع والجر إثبات الياء و حذفها واثبات الياء أجود الوجهين لأن التنوين لا يجوز أن يثبت مع الألف واللام فإذا زالت علة إسقاط الياء وجب أن تثبت وكان يعض العرب يقف بغير ياء وذلك أنه قدر حذف الياء في قاض ونحوه ثم أدخل عليه الألف واللام وبقي الحذف على حاله وهذا ضعيف جدا وقد قرأ به بعض القراء قال تعالى أجيب دعوة الداع إذا دعان ) فإن كان منصوبا لم يكن الوقف عليه إلا بالياء قال الله تعالى ( كلا إذا بلغت التراقي ) وذلك لأنه تنزلي بالحركة منزلة الحرف الصحيح فتحصن بها من الحذف
وأما المقصور فهو المختص بألف مفردة في آخره نحو الهوى والهدى والدنيا والأخرى وسمي مقصورا لأن حركات الإعراب قصرت عنه أي حبست والقصر الحبس ومنه يقال امرأة مقصورة وقصيرة وقصورة قال الله تعالى ( حور مقصورات في الخيام ) أي محبوسات وقال الشاعر وأنت التي حببت كل قصيرة ... إلي ولم تعلم بذاك الفصائر )

( عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطا شر النساء البهاتر ) - من الطويل - ويروي قصورة والبهاتر القصار ويروي البحاتر وهما بمعنى واحد وهو على ضربين منصرف وغير منصرف فالمنصرف ما دخله التنوين وذلك نحو هذه رحى وعصا و رأيت رحى وعصا ومررت برحى وعصا والأصل فيه رحى وعصو إلا أن الياء والواو لما تحركا وانفتح ما قبلهما قلبا ألفين وحذفت الألف منهما لسكونها وسكون التنوين وكان حذفها أولى لما ذكرناه في حذف الياء من نحو قاض فإن وقفت على شيء من هذا الضرب فقد اختلف النحويون فيه على مذاهب:
فذهب سيبويه إلى أن الوقف في حالة الرفع والجر على الألف المبدلة من الحرف الأصلي وفي حالة النصب على الألف المبدلة من التنوين حملا للمعتل على الصحيح وذهب أبو عثمان المازني إلى أن الوقف في الأحوال الثلاثة على الألف المبدلة من التنوين لأنهم إنما خصوا الإبدال بحال النصب في الصحيح لأنه يؤدي إلى الألف التي هي أخف الحروف ولم يبدلوا في حالة الرفع والجر لأنه يفضي إلى الثقل واللبس وذلك غير موجود هنا لأن ما قبل التنوين ههنا لا يكون إلا مفتوحا فأبدلوا منه ألفا لأنه لا يجلب ثقلا ولا يوجب لبسا وذهب أبو سعيد السيرافي إلى أن الوقف في الأحوال الثلاثة على الألف المبدلة من الحرف الأصلي وذلك لأن بعض القراء ج يميلونها في قوله تعالى ( أو أجد على النار هدى ) ولو كانت مبدلة من التنوين لما جازت إمالتها ألا ترى أنك لو أملت الألف في نحو رأيت عمرا لكان غير جائز فلما جازت الإمالة ههنا دل على أنها مبدلة من الحرف الأصلي لا من التنوين وغير المنصرف ما لم يلحقه التنوين وذلك نحو حبلى وبشرى و سكرى وتثبت فيه الألف وصلا ووقفا إذ ليس يلحقها تنوين تحذف من اجله فإن لقيها ساكن من كلمة أخرى حذفت لالتقاء الساكنين فإن قيل لم أعربت الأسماء الستة المعتلة بالحروف ا وهي أسماء مفردة قيل إنما أعربت بالحروف توطئة لما يأتي من باب التثنية والجمع فإن قيل فلم كانت هذه الأسماء أولى بالتوطئة من غيرها قيل لأن هذه الأسماء منها ما تغلب عليه الإضافة ومنها ما تلزمه الإضافة.
فما تغلب عليه الإضافة أبوك و أخوك وحموك وهنوك وما تلزمه الإضافة فوك وذو مال والإضافة فرع على الإفراد كما أن التثنية والجمع فرع على المفرد فلما وجدت بينهما المشابهة من هذا الوجه كانت أولى من غيرها ولما وجب أن تعرب بالحروف لهذه المشابهة أقاموا كل حرف مقام ما يجانسه من الحركات فجعلوا الواو علامة للرفع والألف علامة للنصب والياء علامة للجر وذهب الكوفيون إلى أن الواو والضمة قبلها علامة للرفع و الألف والفتحة قبلها علامة للنصب والياء والكسرة قبلها علامة للجر فجعلوه معربا من مكانين وقد بينا فساده في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين.
وذهب بعض النحويين إلى أن هذه الأسماء إذا كانت في موضع رفع كان فيها نقل بلا قلب وإذا كانت في موضع نصب كان فيها قلب بلا نقل و إذا كانت في موضع جر كان فيها نقل وقلب ألا ترى أنك إذا قلت هذا أبوك كان الأصل فيه هذا أبوك فنقلت الضمة من الواو إلى ما قبلها فكان فيه نقل بلا قلب وإذا قلت رأيت أباك كان الأصل فيه رأيت أبوك فتحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت الواو ألفا فكان فيه قلب بلا نقل وإذا قلت مررت بأبيك كان الأصل فيه مررت بأبوك فنقلت الكسرة من الواو إلى ما قبلها وانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فكان فيه نقل وقلب وذهب بعض النحويين إلى أن الياء والواو والألف نشأت عن إشباع الحركات كقول الشاعر - من البسيط -

( الله يعلم أنا في تلفتنا ... يوم الفراق إلى إخواننا صور ) و إنني حيثما يثني الهوى بصري من حيثما سلكوا أدنو فأنظور أراد فأنظر فاشبع الضمة فنشأت الواو كما قال الآخر في إشباع الفتحة - من الوافر - و أنت من الغوائل حين ترمي ومن ذم الرجال بمنتزاح أراد بمنتزح فأشبع الفتحة فنشأت الألف وكما قال الآخر في إشباع الكسرة - من البسيط -
( تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفى الدراهيم تنقاد الصياريف ... ) أراد الصيارف فأشبع الكسرة فنشأت الياء والشواهد على إشباع الضمة والفتحة والكسرة كثيرة جدا وهذا القول ضعيف لأن إشباع الحركات إنما يكون في ضرورة الشعر كهذه الأبيات وأما في حالة الاختيار فلا يجوز ذلك بالإجماع فلما جاز ههنا في حالة الاختيار أن تقول هذا أبوه ورأيت أباه ومررت بأبيه دل على أن هذه الحروف ما نشأت عن إشباع الحركات وقد يحكى عن بعض العرب أنهم يقولون هذا أبك و رأيت أبك ومررت بأبك من غير واو ولا ألف ولا ياء ويحكى عن بعض العرب أنهم يقولون هذا أباك ورأيت أباك ومررت بأباك بالألف في حالة الرفع والنصب والجر كقوله من الرجز
( ان أباها وابا أباها ... ) والذي يعتمد عليه هو القول الأول وقد بينا ذلك مستقصى في تحميل كتابنا الموسوم بـ الأسماء في شرح الأسماء إن شاء الله تعالى.

باب التثنية و الجمع
إن قال قائل ما التثنية قيل التثنية صيغة مبنية للدلالة على الاثنين واصل التثنية العطف تقول قام الزيدان وذهب العمران والأصل فيه قام زيد وزيد وذهب عمرو وعمرو إلا أنهم حذفوا أحدهما وزادوا على الآخر زيادة دالة على التثنية الرجاء تقديما للإيجاز والاختصار.
والذي يدل على أن الأصل هو العطف أنهم يفكون التثنية في حال الاضطرار ويعدلون عنها إلى التكرار كقوله - من الرجز -(
كأن بين فكها والفك ... فارة مسك ذبحت في سك )
وكقول الآخر - من الرجز -( كان بين خلفها والخلف ... كشة افعي في يبس قف ) وكقول الآخر - من الرجز - ليث وليث في مجال ضنك أراد ليثان إلا أنه عدل إلى التكرار في حالة الاضطرار لأنه الأصل - فإن قيل ما الجمع قيل صيغة مبنية للدلالة على العدد الزائد على الاثنين والأصل فيه أيضا العطف كالتثنية إلا أنهم لما عدلوا عن التكرار في التثنية الرجاء تقديما للاختصار كان ذلك في الجمع أولى.
فإن قيل فلم كان إعراب التثنية والجمع بالحروف دون الحركات قيل لأن التثنية والجمع فرع على المفرد و الإعراب بالحروف فرع على الحركات فكما أعرب المفرد الذي هو الأصل بالحركات التي هي الأصل فكذلك أعرب التثنية والجمع اللذان هما فرع بالحروف التي هي فرع فأعطي الفرع الفرع كما أعطي الأصل الأصل و كانت الألف والواو والياء أولى من غيرها لأنها أشبه الحروف بالحركات.
فإن قيل فلم خصوا التثنية في حال الرفع بالألف والجمع السالم بالواو وأشركوا بينهما في الجر والنصب قيل إنما خصوا التثنية بالألف والجمع بالواوا لأن التثنية اكثر من الجمع لأنها تدخل على من يعقل وعلى ما لا يعقل وعلى الحيوان وعلى غير الحيوان من الجماد والنبات بخلاف الجمع السالم فإنه في الأصل لأولي العلم خاصة فلما كانت التثنية أكثر والجمع أقل جعلوا الأخف وهو الألف للأكثر والأثقل وهو الواو للأقل ليعادلوا بين التثنية والجمع وإنما أشركوا بينهما في النصب والجر لأن التثنية والجمع لهما ستة أحوال و ليس إلا ثلاثة أحرف فوقعت الشركة ضرورة
فإن قيل هل النصب محمول على الجر أو الجر محمول على النصب قيل بل النصب محمول على الجر لأن دلالة الياء على الجر أشبه من دلالتها على النصب لأن الياء من جنس الكسرة والكسرة في الأصل تدل على الجر فكذلك ما أشبهها.

فإن قيل فلم حمل النصب على الجر دون الرفع قيل لخمسة أوجه الوجه الأول أن الجر ألزم للأسماء من الرفع لأنه لا يدخل على الفعل فلما وجب الحمل على أحدهما كان حمله على الإلزام أولى من حمله على غيره
والوجه الثاني أنهما يقعان في الكلام فضلة ألا ترى أنك تقول مررت فلا يفتقر إلى أن تقول بزيد أو نحوه كما أنك إذا قلت رأيت لا يفتقر إلى أن تقول زيدا أو نحوه والوجه الثالث أنهما يشتركان في التحميل كتابة نحو رأيتك و مررت بك والوجه الرابع أنهما يشتركان في المعنى تقول مررت بريد فيكون في معنى جزت زيدا والوجه الخامس أن الجر أخف من الرفع فلما أرادوا الحمل على أحدهما كان الحمل على الأخف أولى من الحمل على الأثقل ويحتمل عندي وجها سادسا وهو أن النصب من أقصى الحلق والجر من وسط الفم والرفع من الشفتين فكان النصب إلى الجر اقرب من الرفع لأن أقصى الحلق اقرب إلى وسط الفم من الشفتين فلما أرادوا حمل النصب على أحدهما كان حمله على الأقرب أولى من حمله على الأبعد والجار أحق بصقبه والذي يدل على اعتبار هذه المناسبة بينهما أنهم لما حملوا النصب على الجر في باب التثنية والجمع حملوا الجر على النصب في باب ما لا ينصرف.
فإن قيل فما حرف الإعراب في التثنية والجمع قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه إلى أن الألف والواو والياء هي حروف الإعراب

وذهب ابو الحسن الأخفش و أبو العباس المبرد ومن تابعهما إلى أنها تدل على الإعراب وليست بإعراب ولا حروف إعراب وذهب أبو عمر الجرمي إلى أن انقلابها هو الإعراب وذهب قطرب والفراء والزيادي إلى أنها هي الإعراب والصحيح هو الأول وأما من ذهب إلى أنها تدل على الإعراب وليس بحروف إعراب ففاسد لأنه لا يخلو إما أن تدل على الإعراب في الكلمة أو في غيرها فإن كانت تدل على الإعراب في الكلمة فلا بد من تقديره فيها فيرجع هذا القول إلى القول الأول وهو مذهب سيبويه وان كانت تدل على إعراب في غير الكلمة فليس بصحيح لأنه يؤدي إلى أن يكون التثنية والجمع مبنيين وليس بمذهب لقائل هذا القول وإلى أن يكون إعراب الكلمة ترك إعرابها وذلك محال.
وأما من ذهب إلى أن انقلابها هو الإعراب فقد ضعفه بعض النحويين لأنه يؤدي إلى أن يكون المثنية والجمع مبنيين في حال الرفع لأنه لم ينقلب عن غيره إذ أول أحوال الاسم الرفع وليس من مذهب هذا القائل بناء التثنية

والجمع في حال من الأحوال من ذهب إلى أنها أنفسها هي الإعراب فظاهر الفساد وذلك لأن الإعراب لا يخل سقوطه ببناء الكلمة و لو أسقطنا هذه الأحرف لبطل معنى التثنية والجمع واختل معنى الكلمة فدل ذلك على أنها ليست بأعراب وإنما هي حروف إعراب على ما بيناه فإن قيل فلم فتحوا ما قبل ياء التثنية دون ياء الجمع قيل لثلاثة اوجه الوجه الأول أن التثنية أكثر من الجمع على ما بينا فلما كانت التثنية اكثر من الجمع والجمع أقل أعطوا الأكثر الحركة الخفيفة وهي الفتحة والأقل الحركة الثقيلة وهي الكسرة والوجه الثاني أن حرف التثنية لما زيد على الواحد للدلالة على التثنية أشبه تاء التأنيث التي تزاد على الواحد للدلالة على التأنيث وتاء التأنيث يفتح ما قبلها فكذلك ما أشبهها وكانت التثنية أولى بالفتح لهذا المعنى من الجمع لأنها فبل الجمع والوجه الثالث أن بعض علامات التثنية الألف والألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحا ففتحوا ما قبل الياء لئلا يختلف إذ لا علة ههنا توجب المخالفة
فإن قيل فلم أدخلت النون في التثنية والجمع قيل اختلف النحويون في ذلك:
فذهب سيبويه إلى أنها بدل من الحركة والتنوين وذهب بعض النحويين إلى أنها تكون على ثلاثة أضرب فتارة تكون بدلا من الحركة والتنوين وتارة تكون بدلا من الحركة دون التنوين وتارة تكون بدلا من التنوين دون الحركة فكونها بدلا من الحركة والتنوين ففي نحو رجلان وفرسان وكونها بدلا من الحركة دون التنوين ففي نحو الرجلان والفرسان وكونها بدلا من التنوين فقط ففي نحو رحيان وعصوان وذهب بعض الكوفيين إلى أنها زيدت للفرق بين التثنية وبين الواحد المنصوب في نحو قولك رأيت زيدا فإن قيل فلم كسروا نون التثنية وفتحوا نون الجمع قيل للفرق بينهما مع تباين صيغتيهما فإن قيل وما الحاجة إلى الفرق بينهما مع تباين صيغتيهما قيل لأنهم لو لم يكسروا نون المثنية ويفتحوا نون الجمع لالتبس جمع المقصور في حالة الجر والنصب بتثنية الصحيح ألا ترى أنك تقول في جمع مصطفى رأيت مصطفين ومررت بمصطفين قال الله تعالى ( وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) فلفظ مصطفين كلفظ زيدين فلو لم يكسروا نون التثنية ويفتحوا نون الجمع لالتبس هذا الجمع بهذه التثنية فإن قيل فهلا عكسوا ففتحوا نون المثنية وكسروا نون الجمع وكان الفرق حاصلا قيل لثلاثة اوجه الوجه الأول أن نون التثنية تقع بعد ألف أو ياء مفتوح ما قبلها فلم يستثقلوا فيها الكسرة وأما نون الجمع فإنها تقع بعد واو مضموم ما قبلها أو ياء مكسور ما قبلها فاختاروا لها الفتحة لتعادل خفة الفتحة ثقل الواو والضمة والياء والكسرة و لو عكسوا ذلك لأدى ذلك إلى الاستثقال إما لتوالي الأجناس وأما للخروج من ضم إلى كسر والوجه الثاني أن التثنية قبل الجمع والأصل في التقاء الساكنين الكسر فحركت نون التثنية بما وجب لها في الأصل وفتحت نون الجمع لأن الفتح أخف من الضم والوجه الثالث أن الجمع أثقل من التثنية والكسر اثقل من الفتح فأعطوا الأخف الأثقل والأثقل الأخف ليعادلوا بينهما فإن قيل فلم قلتم أن الأصل في الجمع السالم أن يكون لمن يعقل قيل تفضيلا لهم لأنهم المقدمون على سائر المخلوقات بتكريم الله تعالى لهم وتفضيله إياهم قال الله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )

فإن قيل فلم جاء هذا الجمع في الأعداد من العشرين إلى التسعين قيل إنما جاء هذا الجمع في الأعداد من العشرين إلى التسعين لأن الأعداد لما كانت تقع على من يعقل نحو عشرون رجلا وعلى ما لا يعقل نحو عشرون ثوبا وكذلك إلى التسعين غلب جانب من يعقل على ما لا يعقل كما يغلب جانب المذكر على المؤنث في نحو أخواك هند وعمرو وما أشبه ذلك فإن قيل فمن أين جاء هذا الجمع في قوله تعالى ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) قيل لأنه لما وصفهما بالقول والقول من صفات من يعقل أجراهما مجرى من يعقل وعلى هذا قوله تعالى ( إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين ) لأنه لما وصفها بالسجود وهو من صفات من يعقل أجراها مجرى من يعقل فلهذا جمعت جمع من يعقل.
فإن قيل فلم جاء هذا الجمع في قولهم في جمع أرض أرضون و في جمع سنة سنون قيل لأن الأصل في أرض أرضة بدليل جاهز قولهم في التصغير أريضة وكان القياس يقتضي أن تجمع بالألف والتاء إلا أنهم لما حذفوا التاء من أرض جمعوه بالواو والنون تعويضا من حذف التاء وتخصيصا له بشيء لا يكون في سائر أخواته وكذلك الأصل في سنة سنوة بدليل جاهز قولهم في الجمع سنوات أو سنهة على قول بعضهم إلا أنهم لما حذفوا اللام جمعوه بالواو والنون تعويضا من حذف اللام وتخصيصا له بشيء في التام وهذا وهذا التعويض تعويض جواز لا تعويض وجوب لأنهم لا يقولون في جمع شمس شمسون ولا في جمع غد غدون ولهذا لما كان هذا الجمع في أرض وسنة على خلاف الأصل ادخل فيه ضرب من التكسير ففتحت الراء من أرضون و كسرت السين من سنون إشعارا بأنه جمع جمع السلامة على خلاف الأصل فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

باب جمع التأنيث
إن قال قائل لم زادوا في آخر هذا الجمع ألفا وتاء نحو مسلمات وصالحات قيل لأن أولى ما يزاد حروف المد واللين وهي الألف والياء والواو وكانت الألف أولى من الياء والواو لأنها أخف منهما ولم تجز زيادة أحدهما معها لأنه كان يؤدي إلى أن ينقلب عن اصله لأنه كان يقع طرفا وقبله ألف زائدة فينقلب همزة فزادوا التاء بدلا عن الواو لأنها تبدل منها كثيرا نحو تراث و تجاه وتهمة وتخمة وتكلة و ما أشبه ذلك والأصل في مسلمات وصالحات مسلمتات وصالحتات إلا أنهم حذفوا التاء لئلا يجمعوا بين كلامتي تأنيث في كلمة واحدة و إذا كانوا قد حذفوا التاء مع المذكر في نحو قولهم رجل بصري وكوفي في النسب إلى البصرة والكوفة والأصل بصرتي وكوفتي لئلا يقولوا في المؤنث امرأة بصرتية وكوفتية فيجمعوا بين علامتي تأنيث فلأن يحذفوا ههنا مع تحقق الجمع كان ذلك من طريق الأولى.
فإن قيل فلم كان حذف التاء الأولى أولى قيل لأنها تدل على التأنيث فقط والثانية تدل على الجمع والتأنيث فلما كان في الثانية زيادة معنى كان تبقيتها وحذف الأولى أولى.
فإن قيل فلم لم يحذفوا الألف في جمع حبلى كما حذفوا التاء فيقولوا حبلات كما قالوا مسلمات قيل لأن الألف تنزلت منزلة حرف من نفس الكلمة لأنها صيغت عليها في أول أحوالها وأما التاء فليست كذلك لأنها ما صيغت عليها الكلمة في أول أحوالها وإنما هي بمنزلة اسم ضم إلى اسم كحضرموت وبعلبك وما أشبه ذلك فإن قيل فلم وجب قلب الألف قيل لأنها لو لم تقلب لكان ذلك يؤدي إلى حذفها لأنها ساكنة وألف الجمع بعدها ساكن وساكنان لا يجتمعان فيجب حذفها لالتقاء الساكنين

فإن قيل فلم قلبت الألف ياء فقيل حبليات ولم تقلب واوا قيل لوجهين أحدهما أن الياء تكون علامة للتأنيث والواو ليست كذلك فلما وجب قلب الألف إلى أحدهما كان قلبها إلى الياء أولى من قلبها إلى الواو والوجه الثاني أن الياء أخف من الواو والواو أثقل فلما وجب قلبها إلى أحدهما كان قلبها إلى الأخف أولى من قلبها إلى الأثقل فإن قيل فلم قلبوا الهمزة واوا في جمع صحراء فقالوا صحراوات قيل لوجهين أحدهما أنهم لما أبدلوا من الواو همزة في نحو أقتت وأجوه أبدلوا الهمزة ههنا واوا لضرب من النقاض والتعويض والوجه الثاني أنهم إنما أبدلوها واوا ولم يبدلوها ياء لأن الواو ابعد من الألف والياء أقرب إليه منها فلو أبدلوها ياء لأدى ذلك لى أن تقع ياء بين ألفين فكان اقرب إلى اجتماع الأمثال وهم إنما قلبوا الهمزة فرارا من اجتماع الأمثال لأنها تشبه الألف وقد وقعت بين ألفين فإذا كانت الهمزة إنما وجب قلبها فرارا من اجتماع الأمثال وجب قلبها واوا لأنها ابعد من الياء في اجتماع ا لأمثال فإن قيل لم حمل النصب على الجر في هذا الجمع قيل لأنه لما وجب حمل النصب على الجر في جمع المذكر الذي هو الأصل وجب أيضا حمل النصب على الجر في جمع المؤنث الذي هو الفرع حملا للفرع على الأصل و إذا كانوا قد حملوا أعد ونعد على يعد في الاعتلال وإن لم يكن فرعا عليه فلأن يحمل جمع المؤنث على جمع المذكر وهو فرع عليه كان ذلك من طريق الأولى
فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

باب جمع التكسير
إن قال قائل لم سمي جمع التكسير قيل إنما سمي بذلك على التشبيه بتكسير الآنية لأن تكسيرها إنما هو إزالة التئام أجزائها فلما أزيل نظم الواحد وفك نضده في هذا الجمع سمي جمع التكسير
وهو على أربعة أضرب أحدها أن يكون لفظ الجمع اكثر من لفظ الواحد والثاني أن يكون لفظ الواحد أكثر من لفظ الجمع والثالث أن يكون مثله في الحروف دون الحركات والرابع أن يكون مثله في الحروف و الحركات فأما ما لفظ الجمع أكثر من الواحد فنحو رجل ورجال ودرهم ودراهم وأما ما لفظ الواحد اكثر من لفظ الجمع فنحو تحميل كتاب والكتب الشامل الوافية وإزار وأزر وأما ما لفظ الجمع كلفظ الواحد في الحروف دون الحركات فنحو أسد وأسد ووثن ووثن وأما ما لفظ الجمع مثل لفظ الواحد في الحروف والحركات فنحو الفلك فإنه يكون واحدا ويكون جمعا فأما كونه واحدا فنحو قوله تعالى ( في الفلك المشحون ) ا فأراد به الواحد ولو أراد به الجمع لقال المشحونة.
وأما كونه جمعا فنحو قوله تعالى ( حتى إذا كنتم في الفلك وجرين ) وقال تعالى ( والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ) فأراد به الجمع لقوله وجرين والتي تجري غير أن الضمة فيه إذا كان واحدا غير الضمة فيه إذا كان جمعا وان كان اللفظ واحدا لأن الضمة فيه إذا كان واحدا كالضمة في قفل وقلب وإذا كان جمعا كانت الضمة فيه كالضمة في الكتب الشامل الوافية و أزر وكذلك قولهم هجان ودلاص يكون واحدا ويكون جمعا تقول ناقة هجان ونوق هجان ودرع دلاص ودروع دلاص فإذا كان واحدا كانت الكسرة فيه كالكسرة في تحميل كتاب و إذا كان جمعا كانت الكسرة فيه كالكسرة في كلام والهجان الكريم من الإبل والدلاص الدرع البراقة ويقال دلامص ودلاص ودمالص ودلمص ودملص بمعنى واحد فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.

باب المبتدأ
إن قال قائل ما المبتدأ قيل كل اسم عريته من العوامل اللفظية لفظا او تقديرا فقولنا اللفظية احترازا لأن العوامل تنقسم إلى قسمين إلى عامل لفظي و إلى عامل معنوي:
فأما ا للفظي فنحو كان وأخواتها وإن وأخواتها وظننت وأخواتها وقولنا تقديرا احترازا من تقدير الفعل في نحو قوله تعالى ( إذا السماء انشقت ) وما أشبه ذلك وأما المعنوي فلم يأت إلا في موضعين عند سيبويه وأكثر البصريين هذا أحدهما وهو الابتداء والثاني وقوع الفعل المضارع موقع الاسم في نحو مررت برجل يالكتب الشامل الوافية فارتفع يالكتب الشامل الوافية لوقوعه موقع كاتب و أضاف أبو الحسن الأخفش إليهما موضعا ثالثا وهو عامل الصفة فذهب إلى أن الاسم يرتفع لكونه صفة لمرفوع وينتصب لكونه صفة لمنصوب وينجر لكونه صفة لمجرور وكونه صفة في هذه الأحوال معنى يعرف بالقلب ليس للفظ فيه حظ وسيبويه وأكثر البصريين يذهبون إلى أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف ولهذا موضع نذكره فيه إن شاء الله تعالى فإن قيل بماذا يرتفع الاسم المبتدأ قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب سيبويه ومن تابعه من البصريين إلى أنه يرتفع بتعريه من العوامل اللفظية وذهب بعض البصريين إلى أنه يرتفع بما في النفس من معنى الإخبار عنه وقد ضعفه بعض النحويين وقال لو كان الأمر كما زعم لوجب ألا ينتصب إذا دخل عليه عامل النصب لأن دخوله عليه لم يغير معنى الإخبار عنه ولوجب ألا يدخل عليه مع بقائه فلما جاز ذلك دل على فساد ما ذهب إليه وأما الكوفيون فذهبوا إلى أنه يرتفع بالخبر وزعموا أنهما يترافعان وأن كل واحد منهما يرفع الآخر وقد بينا فساده في مسائل الخلاف بين البصريين والكوفيين
فإن قيل فلم جعلتم التعري عاملا وهو عبارة عن عدم العوامل قيل لأن العوامل اللفظية ليست مؤثرة في المعمول حقيقة وإنما هي أمارات وعلامات فالعلامة تكون بعدم شيء كما تكون بوجود شيء ألا ترى أنه لو كان معك ثوبان و أردت أن تميز أحدهما عن الآخر لكنت تصبغ أحدهما مثلا وتترك صبغ الآخر فيكون عدم الصبغ في أحدهما كصبغ الآخر فتبين بهذا أن العلامة تكون بعدم شيء كما تكون بوجود شيء وإذا ثبت هذا جاز أن يكون التعري من العوامل اللفظية عاملا فإن قيل فلم خص المبتدأ بالرفع دون غيره قيل لثلاثة أوجه أحدها أن المبتدأ وقع في أقوى أحواله وهو الابتداء فأعطي أقوى الحركات وهو الرفع والوجه الثاني أن المبتدأ أول والرفع أول فأعطي الأول الأول.
والوجه الثالث أن المبتدأ مخبر عنه كما أن الفاعل مخبر عنه والفاعل مرفوع فكذلك ما أشبهه فإن قيل لماذا لا يكون المبتدأ في الأمر العام إلا معرفة قيل لأن المبتدأ مخبر عنه و الإخبار عمن لا يعرف لا فائدة فيه فإن قيل فهل يجوز تقديم خبر المبتدأ عليه نحو قائم زيد قيل اختلف النحويون في ذلك فذهب البصريون إلى أنه جائر وذهب الكوفيون إلى أنه غير جائر وأنه إذا تقدم عليه الخبر يرتفع به ارتفاع الفاعل بفعله وقالوا لو جوزنا تقديم خبر المبتدأ عليه لأدى ذلك إلى تقديم ضمير الاسم على ظاهره وذلك لا يجوز وهذا الذي ذهبوا إليه فاسد وذلك لأن اسم الفاعل اضعف من الفعل في العمل لأنه فرع عليه فلا يعمل حتى يعتمد ولم يوجد ههنا فوجب ألا يعمل وقولهم أن هذا يؤدي إلى تقديم ضمير الاسم على ظاهره فاسد أيضا لأنه وان كان مقدما لفظا إلا أنه مؤخر تقديرا وإذا كان مقدما في اللفظ مؤخرا في التقدير كان تقديمه جائزا قال الله تعالى ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) فالهاء في نفسه ضمير موسى وان كان في اللفظ مقدما على موسى إلا أنه لما كان موسى مقدما في التقدير والضمير في تقدير التأخير كان ذلك جائزا فكذلك ههنا والذي يدل على جواز ذلك وقوع الإجماع على جواز ضرب غلامه زيد وهذا بيّن.
وكذلك اختلفوا في الظرف إذا كان مقدما على المبتدأ نحو عندك زيد فذهب البصريون إلى أنه في موضع الخبر كما لو كان متأخرا وذهب الكوفيون إلى أن المبتدأ يرتفع بالظرف ويخرج عن كونه مبتدأ و وافقهم على ذلك أبو الحسن الأخفش في أحد قوليه وفي هذه المسالة كلام طويل بيناه في المسائل الخلافية لا يليق ذكره بهذا المختصر.



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©