هذا الموضوع نشر في جريدة الشروق ليوم السبت 14 ديسمبر 2015

سأنقل لكم واقعا مؤسفا تعيشه مؤسستنا التربوية بسبب تقاعس البعض عن تأدية مهامهم ونحن مقبلون على أيام أشد برودة من الماضية مازالت مؤسستنا محرومة من التدفئة فتحولت الأقسام الدراسية إلى غرف تبريد، فالتلاميذ لم تعد أجسامهم الغضة الضعيفة قادرة على مقاومة البرد وصار الدخول إلى حجرات الدرس مشروح هاجسا للجميع، مدرس مشروحين وتلاميذ، فالكل أصبح يعتريه الخوف بمجرد أن يلج باب المدرس مشروحة، ذلك أن البقاء في هذه الأقسام يعد عذابا لهم، الأمر الذي دفع ببعض صغار التلاميذ إلى البكاء رفضا لهذا الواقع الأليم، فهم مجبرون على الجلوس لساعات طويلة على الطاولات الأمر الذي يزيد من إحساسهم بالبرد، فالكل صار يتهرب من الجلوس ويفضل أن يبقى واقفا من شدة البرد الذي كبّل أنامله فلم يعد قادرا على مسك القلم والكتاب جاهزة ويبقى شارد الذهن منشغلا في منظر يثير الشفقة، لقد سرى البرد في أجساد المتعلمين الصغار من الرأس إلى القدمين، مما أدى إلى إصابة الكثير منهم بأمراض البرد المعروفة وتسبب في انقطاع بعضهم عن الدراسة وتعطيل مسارهم الدراسي، ولا أحد يعير لهذا الأمر أدنى اهتمام رغم أن المسؤولين عن هذا الواقع يساهمون بشكل مباشر في الفشل الدراسي الذي قد يلحق بالمتمدرس مشروحين، فأين نحن من مقولة "لو عثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عليها".

لقد صار الوضع لا يطاق فلم يبق لنا إلاّ أن نتوجه بنداء إلى ذوي القلوب الرحيمة في ظل غياب الوعي بالمسؤولية، وفي وقت أصبح المواطن الضعيف يطرق هذا الباب عله يجد مخرجا، واقعا لم نعشه حتى في زمن العشرية السوداء عندما كان الوضع الاقتصادي للبلاد هشا، مشروع بأموال طائلة للتدفئة المركزية استفادت منها مدرس مشروحتنا مازال معطلا لأسباب تافهة ومدافئ قديمة أكل عليها الدهر وشرب ولم تعد صالحة ولم تعد تنتج إلا دخانا كثيفا يحجب الرؤيا في الأقسام ويثير الهلع في أوساط التلاميذ أحيانا أخرى لكن العمال في المدرس مشروحة وبأمر من مسؤوليهم يصرون على تشغيلها وكأنهم يستعطفونها علها تبعث القليل من الدفء حتى يمر شتاء هذا العام بسلام.

مدرس مشروحة لم تُطلَ جدران أقسامها منذ أن تأسست قبل أكثر من ثلاثين عاما أبوابها تآكلت ومن دون أقفال تُغلق بالأسلاك والخيوط وإطارات النوافذ تخربت بفعل سنين يزيد عمرها عن عمر المدرس مشروحين فيها وأصبحت مرتعا للأوساخ والحشرات بها ثقوب وممرات تنفد عبرها مياه الأمطار إلى الاقسام في منظر يرثى له مسطبات خشبية متحركة من الزمن الماضي لم تعد قادرة على حمل ثقل المتعلمين الصغار تنحني بمجرد أن تطأ قدماك سطحها فتخشى السقوط تبقى شاهدة على حال هذه المؤسسة، دورات مياه تستقبلك رائحتها النتنة بمجرد أن تضع قدماك داخل المؤسسة عاجزة عن احتواء العدد الهائل من التلاميذ وعاجزة أيضا عن تصريف ما يطرح فيها من فضلات وفوق كل هذا تصيبك الدهشة حين تعلم أن الباب الخارجي الحديدي للمؤسسة لا يمكن أن يفتح لأنه ببساطة معرض للسقوط على البراءة رغم أنه المخرج الوحيد لهم، فمدرس مشروحتنا وغيرها من المؤسسات التربوية تعيش الإهمال بكل ما للكلمة من معنى وهي في مستوى لا يشرفها بالنظر إلى رسالتها في المجتمع، فمن يتحمل مسؤولية هذا الواقع الأليم وهذا التدهور في الخدمات الذي بات يؤرق المنتسبين إلى المدرس مشروحة، تلاميذ وأولياء ومدرس مشروحين، والذي لاشك أنه يؤثر على أداء المدرس مشروحة. فبالتفصيل الممل كيف ببلدية تعد من أغنى بلديات الولاية حاسي فدول ولاية الجلفة، تعجز عن توفير حاجيات بسيطة لأبنائها لتضمن لهم تمدرس مشروحا محترما ومريحا، يليق بانتمائهم إلى دولة كالجزائر محورية ومرشحة لقيادة المنطقة المغاربية والإفريقية بكل اقتدار إنه واقع يثير الاشمئزاز ويبعث التساؤل بإلحاح أين الخلل؟ خاصة أنك تتابع تصريحات المسؤولين عن القطاع في بداية كل عام دراسي يقيّمون الوضع بالأدلة والأرقام أن الأمر على ما يرام والظروف مهيأة لأداء موسم دراسي مثالي خالٍ من المشاكل والمعوقات لنصطدم بواقع مغاير للتوقعات، وليت الأمر كان عابرا، بل هو متكرر على مر السنين وفي عديد المؤسسات التربوية، أنا على يقين أن المسؤولين المحليين ليسوا في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم والمهمة أكبر منهم وهم عاجزون عن القيام بدورهم وكأن أعمالهم ونشاطاتهم تقتصر على مقر بلديتهم، فمكاتبهم مكيّفة ومفروشة بالسجّادات وآرائك مريحة وكأن أمر المدارس لا يعنيهم ولست أدري أي الأعمال الجليلة تشغلهم عن الالتفات إلى المدارس التي تضم أعدادا هائلة من البشر هم مستقبل هذه الأمة، أنا هنا لا أالكتب الجاهزة شكوى إلى جهة بعينها ولكنني أعرض واقعا مريرا لا يشرف وطنا نطمح كلنا أن يكون رائدا لا يلطخ صورته واقعا أليما كهذا، هي المدرس مشروحة التي طالما انتظرها كل صغير بشغف ليكتشف أسرارها بعدما راودته أحلام وردية عنها "مدرس مشروحة مسعدي رضا"

فاخر لخضر / حاسي فدول - الجلفة




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©