الحذف في المبتدأ والخبر

هناك قاعدة عامة تحكم ظاهرة الحذف والذكر في النحو العربي هي : ((متى ما دل على المحذوف دليل أمكن حذفه)) . والمبتدأ والخبر من الموضوعات النحوية التي تسري عليها هذه القاعدة ؛ لذا يمكن حذف أحدهما أو كليهما إذا دل على ذلك دليل ، ويمكن التفصيل على النحو الآتي :

1ـ الحذف الجائز: يحذف المبتدأ أو الخبر في الجملة الاسمية جوازاً في مواضع منها :

ـ في جملة الجواب نحو : من في الدار ؟ تقول : زيدٌ إي : زيد في الدار . الخبر (في الدار) محذوف بدلالة السؤال . ونحو : من في المكتبة ؟ تقول : زيد . أي : زيد في المكتبة . فالمبتدأ محذوف بدلالة السؤال .

ـ بعد فاء الجزاء ، فقد يحذف المبتدأ بعد فاء الجزاء كما في قوله تعالى : ( من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها) فجملة جواب الشرط ( فلنفسه ) متكونة من مبتدأ محذوف مفهوم من جملة الشرط وهو ( عمله) وشبه الجملة ( فلنفسه) متعلقة بمحذوف واقع خبراً . والتقدير: من عمل صالحاً فعمله لنفسه .

وقد يحذف المبتدأ والخبر بعد فاء الجزاء نحو قوله تعالى : (( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن )) فجملة جواب الشرط الثاني محذوفة لدلالة الشرط السابق والتقدير : ( فعدتهن ثلاثة أشهر ).

ـ في جملة مقول القول ، وكثر وروده في القرآن الكريم ، نحو قوله تعالى : (( قالوا : أساطير الأولين)) . أي هي أساطير الأولين ، فأساطير خبر لمبتدأ محذوف جوازاً .

2ـ الحذف الواجب :

أ ـ حذف الخبر وجوباً :

ـ خبر لولا ، نحو : لولا زيد لقمت ، فزيد مبتدأ ، والخبر محذوف وجوباً والتقدير لولا زيد موجود لقمت . وذهب النحاة في خبر لولا ثلاثة مذاهب :

الأول : الحذف واجب مطلقاً ، وما ورد خلاف ذلك لابد من أن يؤول .

الثاني : الحذف غالب ، وقد يذكر .

ففي قول الشاعر :

لولا أبوك ولولا قبله عمرو ألقت إليك معد بالمقاليد

من قال بالمذهب الأول أوّل البيت على أن قبله ليست خبراً وإنما هي متعلقة بمحذوف واقع خبر والتقدير ولولا عمرو كائناً قبله

ومن قال بالمذهب الثاني أجازه من دون تأويل .

الثالث : الخبر إن كان كوناً عامً وجب الحذف وإن كان كوناً خاصاً وجب الذكر إلا إذا دل عليه دليل فعندئذ يجوز الأمران .

فمثلاً : لولا زيد لهلكت ، فالكون هنا عام ، فيجب الحذف ولا يجوز إظهاره ، والتقدير: لولا زيد موجود لهلكت .

والكون العام : هو الوجود المطلق غير المقيد بشيء أو حالة معينة .

أما إذا قلنا: لولا الطيار ماهر ما نجا راكب ، فخبر لولا كون خاص لأنه وجود في حالة المهارة وليس وجود مطلق لذا فالذكر واجب ولا يجوز حذف الخبر في هذا المثال .

أما إذا كان خاصاً دالاً عليه دليل نحو : الصحراء قاحلة لانعدام الماء لولا الماء معدوم لأنبتت . فيجوز أن يذكر ويجوز أن يحذف لدلالة ما سبق عليه .

ومن الأمثلة أيضاَ قول الشاعر

يذيب الرعب منه كل عضب فلولا الغمد يمسكه لسالا

فخبر لولا ( يمسكه) وهو كون خاص لكنه يجوز أن يحذف لأنّ ما قبله دال عليه



ـ يحذف الخبر وجوباً إذا كان لفظاً هو نص في القسم ، نحو : لعمرُك لأفعلن ، فعمرك مبتدأ وهو من الألفاظ التي كثر استعمالها في القسم حتي أصبحت نصاً فيه فمتى سمع هذا اللفظ تبادر إلى الذهن القسم دون غيره . لذا حذف الخبر وجوباً والتقدير لعمرك قسمي ، وإنما كان المحذوف هو الخبر لأنّ ( عمرك ) دخلت عليه لام الابتداء فهي مبتدأ فبقي الخبر .

أما في قولنا : يمين الله لأفعلن ، فكلمة ( يمين الله ) نص في القسم لكنه لا يتعين أن يكون مبتدأ والخبر محذوف ، فهنا يوجد حذف واجب ، ولكن المحذوف يحتمل أن يكون خبراً فيدخل في هذا الموضوع والتقدير : يمين الله قسمي ، ويحتمل أن يكون مبتدأ والتقدير قسمي يمين الله ، وذلك لأنّ لفظ يمين ليس فيها ما يحتم كونها مبتدأ .



ـ يحذف الخبر وجوباً إذا وقع بعد المبتدأ واو هي نص في المعية ،نحو : كلُّ رجل وضيعته ، فكل مبتدأ وبعده واو عاطفة دلت على المعية ، أي تلازم المعطوف والمعطوف عليه تلازماً لا يكاد ينفك معه أحدهما عن الآخر ، وهنا يحذف الخبر وجوباً والتقدير : كل رجل وضيعته مقترنان ، ونحو : الطالب وكتاب كامله ، الفلاح وحقله وهكذا . أما إذا لم تكن نصاً في المعية فالحذف غير جائز نحو محمد وزيد قائمان فلا يجوز حذف الخلاف لأنّ الواو ليست نصا في المعية



ـ يحذف الخبر وجوباً إذا كان المبتدأ مصدراً وبعده حال سدت مسد الخبر ولا تصلح هذه الحال أن تكون خبراً عن المصدر نحو : قراءتي النشيد مكتوباً فـ( قراءتي) مصدر وبعده ( مكتوباً) حال تمت بها معنى الجملة ولكن أين الخبر ؟ الخبر محذوف قامت الحال مقامه ، وأصل الكلام : قراءتي النشيد إذا كان مكتوباً ، أو إذ كان مكتوباً . فـ ( إذا) ظرف زمان وأضيفت إليه جملة كان مكتوبا ، وهي كان التامة ، والفاعل ضمير مستتر ومكتوباً حال . وشبه الجملة الظرفية في محل رفع خبر حذف ونابت الحال منابه . ولا تصلح كلمة (مكتوبا) أن تكون خبراً عن المبتدأ (قراءة) لأنّ القراءة لا تكون مكتوبة .

اما في قولنا : إكرامي الضيف عظيماً فإن كلمة عظيما يمكن أن تكون خبراً عن المصدر إذ يمكن أن أخبر عن الإكرام بأنه عظيم لذا لا تجوز هنا هذه الجملة .




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©