بَيْنمَا كُنْتُ أَتَنَزَّهُ فِي الحَديقَةِ ذَاتِ يَوْمٍ ، إِذْ سَمِعْتُ صُرَاخًا فِيهِ مَزِيجٌ مِنَ الأَلَمِ وَ الفَزِعِ ، يَنبَعِثُ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ، فَالْتَفَتُّ نَحْوَ مَصْدَرِ الصَّوْتِ ، فَرَأَيْتُ مَنْظَرًا مُخِيفًا ثُعْبَانٌ كَبِيرٌ أَرْقَطُ ، يَنْسَابُ عَلَى جِذْعِ شَجِرةٍ ، وَقَدْ أَطْبَقَ فَكَّيهِ عَلَى فَرِيسَةٍ ، وَهِي تَتَلَوَّى وَتَصِيحُ ، وَتُحَاوِلُ التّخَلُّصَ فَلاَ تَسْتَطِيعُ .
خِلْتُ الفَرِيسَةَ ضِفْدَعَهً ، فَرَفَعْتُ حَجَرًا لأَقْتُلَ بِهِ الثُّعْبَانَ وَ أُنْقِذَ الضَّحِيَّةَ المِسْكِينِةَ ، لَكِّنَّنِي حِينَ تَأَمَّلْتُهَا ، أَدْرَكْتُ أَنَّهَا فَأْرٌ مِنْ فِئْرَانِ الحَدِيقَة الَّتِي تَسْطُو عَلَى المَزَارِعِ وَتَفْتِكُ بِمَحَاصِيلِهَا .
ثُمَّ ظَهَرَ فَجْأَةً فَأْرٌ آخَرَ ، هَجَمَ عَلَى الثُعْبَانِ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ ،وَأَخَذَ يَعُضُّ جِسْمَهُ ، وَيَنْشِبُ فِيهِ أَنْيَابَهُ غَيْرَ مُبَالٍ بِالْخَطَرِ ، مُضَحِيًا بِحَيَاتِهِ مِنْ اجْلِ إِنْقَاذِ أَخِيهِ
أَخَذَ الثُعْبَانُ يَتَلَوَى فِي أَلَمٍ وَغَيْضٍ ، وَهُوَ يُحَاوُلُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ هَذَا المُهَاجِمِ الجَرِيءِ ، لَكِنَّ مُحَاوَلَاتِهُ بَاءَتْ بِالفَشَلِ وَلَمَّا اشْتَدَّ بِهِ الأَلَمُ أَطْلَقَ الثُعْبَانُ الضَّحِيَّةَ وَ الْتَفَتَ إِلَى الثَّانِي لِيَنَالَ مِنْهُ ، وَلَكِنّْ سُرْعَانَ مَا قَفَزَ الفَأْرَانِ إِلَى الأَرْضِ وَابْتَعَدَا بِأَقْصَى سُرْعَهٍ .يَا لَلْعَجَبْ مَخْلُوقٌ ضَعِيفٌ فِيهِ صِفَةٌ مِنْ أًنْبَلِ الصِفَاتِ.





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©