بمناسبة يوم العلم أحببت أن أنقل لكم هذا التعريف البسيط عن عبد الحميد بن باديس
مقدمة
إن رجلا يقول عن أمته "إن الأمة الجزائرية ليست هي فرنسا، ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا لو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد…، في لغتها، وفي أخلاقها، وعنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج ولها وطن معين هو الوطن الجزائري"…لهو رجل يقظ عقله نقية سريرته… بسيرته تنهض الأمة…فمن يا ترى يكون عبد الحميد بن باديس؟
مولد ه و نشأته
هو "عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس" المعروف بعبدالحميد بن باديس في 11 من ربيع الآخِر 1307 هـ= 5 من ديسمبر 1889م بمدينةقسنطينة، ونشأ في أسرة كريمة ذات عراقة وثراء، ومشهورة بالعلم والأدب، فعنيت بتلقينابنها وتهذيبه، فحفظ القرآن وهو في الثالثةعشرة من عمره، وتعلّم مبادئ العربيةوالعلوم الإسلامية على يد الشيخ "أحمد أبو حمدان الونيسي" بجامع سيدي محمد النجار،ثم سافر إلى تونس في سنة 1326هـ= 1908م وانتسب إلى جامع الزيتونة، وتلقى العلومالإسلامية على جماعة من أكابر علمائه، أمثال العلّامة محمد النخلي القيروانيالمتوفى سنة (1342هـ= 1924م)، والشيخ محمد الطاهر بن عاشور، الذي كان له تأثير كبيرفي التكوين اللغوي لعبد الحميد بن باديس، والشغف بالأدب العربي، والشيخ محمد الخضرالحسين، الذي هاجر إلى مصر وتولى مشيخةالأزهر.
وبعد أربع سنوات قضاها ابن باديس في تحصيل العلم بكل جدّ ونشاط،تخرج في سنة 1330هـ= 1912م حاملاً شهادة "التطويع" ثم رحل إلى الحجاز لأداء فريضةالحج، وهناك التقى بشيخه "حمدان الونيسي" الذي هاجر إلى المدينة المنورة، متبرّمًامن الاستعمار الفرنسي وسلطته، واشتغل هناك بتدريس الحديث، كما اتصل بعدد من علماءمصر والشام، وتتلمذ على الشيخ حسين أحمد الهندي الذي نصحه بالعودة إلى الجزائر،واستثمار علمه في الإصلاح، إذ لا خير في علم ليس بعده عمل، فعاد إلى الجزائر، وفيطريق العودة مرّ بالشام ومصر واتصل بعلمائهما، واطّلع على الأوضاع الاجتماعيةوالثقافية والسياسية لهما.
ابن باديس معلمًاومربيًا
آمن ابن باديس بأن العمل الأول لمقاومة الاحتلال الفرنسي هوالتلقين، وهي الدعوة التي حمل لواءها الشيخ محمد عبده، في مطلع القرن الرابع عشرالهجري، وأذاعها في تونس والجزائر خلال زيارته لهما سنة 1321هـ= 1903م، فعمل ابنباديس على نشر التلقين، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيفوالخرافات، ومحاربة الفرق الصوفية الضالة التي عاونتالمستعمر.
وقد بدأ ابن باديس جهوده الإصلاحية بعد عودته من الحج، بإلقاءدروس جاهزة في تفسير القرآن بالجامع الأخضر بقسطنطينة، فاستمع إليه المئات، وجذبهم حديثةالعذب، وفكره الجديد، ودعوته إلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقتبها، وظل ابن باديس يلقي دروس جاهزةه في تفسير القرآن حتى انتهى منه بعد خمسة وعشرينعامًا، فاحتفلت الجزائر بختمه في 13 من ربيع الآخر 1357هـ= 12 من يونيو 1938م
ويُعدّ الجانب التلقيني والتربوي من أبرز مساهمات ابن باديس التيلم تقتصر على الكبار، بل شملت الصغار أيضًا، وتطرقت إلى إصلاح التلقين تطويرومناهج شاملةه، وكانت المساجد هي الميادين التي يلقي فيها دروس جاهزةه، مثل الجامع الأخضر،ومسجد سيدي قموش، والجامع الكبير بقسطنطينة، وكان التلقين في هذه المساجد لا يشملإلا الكبار، في حين اقتصرت الكتاتيب على تحفيظ القرآن للصغار، فعمد ابن باديس إلىتلقين هؤلاء الصغار بعد خروجهم من كتاتيبهم.
تأسيس الجمعية
ثم بعد بضع سنوات أسس جماعة من أصحابه مالكتب الجامعةًا للتلقين الابتدائيفي مسجد سيد بومعزة، ثم انتقل إلى مبنى الجمعية الخيرية الإسلامية التي تأسست سنة1336هـ= 1917م، ثم تطوّر المالكتب الجامعة إلى مدرس مشروحة جمعية التربية والتلقين الإسلامية التيأنشئت في رمضان 1349 هـ= 1931م وتكونت هذه الجمعية من عشرة اعضاء و زوار برئاسة الشيخعبد الحميد بن باديس.

أهدافها
وقد هدفت الجمعية إلى نشر الأخلاق الفاضلة، والمعارف الدينيةوالعربية، والصنائع اليدوية بين أبناء المسلمين وبناتهم، ويجدر بالذكر أن قانونالجمعية نصّ على أن يدفع القادرون من البنين مصروفات التلقين، في حين يتعلم البناتكلهن مجانًا.
وكوّن ابن باديس لجنة للأطلبة من اعضاء و زوار جمعية التربية والتلقينالإسلامية، للعناية بالأطلبة ومراقبة سيرهم، والإشراف على الصندوق المالي المخصصلإعانتهم، ودعا المسلمين الجزائريين إلى تأسيس مثل هذه الجمعية، أو تأسيس فروع لهافي أنحاء الجزائر، لأنه لا بقاء لهم إلا بالإسلام، ولا بقاء للإسلام إلا بالتربيةوالتلقين.
وحثّ ابن باديس الجزائريين على تلقين المرأة، وإنقاذها مما هيفيه من الجهل، وتكوينها على أساسٍ من العفة وحسن التدبير، والشفقة على الأولاد،وحمّل مسئولية جهل المرأة الجزائرية أولياءها، والعلماء الذين يجب عليهم أن يعلّمواالأمة، رجالها ونساءها، وقرر أنهم آثمون إثمًا كبيرًا إذا فرطوا في هذاالواجب.
منهجه في الإصلاح
وشارك ابن باديس في محاولة إصلاح التلقين في جامع الزيتونةبتونس، وبعث بمقترحات ضروريةه إلى لجنة وضع مناهج شاملة الإصلاح التي شكّلها حاكم تونس سنة 1350هـ=1931م، وتضمن اقتراحه خلاصة آرائه في التربية والتلقين، فشمل المواد التي يجبأن يدرس مشروحها الملتحق بالجامع، من اللغة والأدب، والعقيدة، والفقه وأصوله، والتفسير،والحديث، والأخلاق، والتاريخ، والجغرافيا، ومبادئ الطبيعة والفلك، والهندسة، وجعلالدراسة في الزيتونة تتم على مرحلتين: الأولى تسمى قسم المشاركة، وتستغرق الدراسةفيه ثماني سنوات، وقسم التخصص ومدته سنتان، ويضم ثلاثة أفرع: فرع للقضاء والفتوى،وفرع للخطاب والوعظ، وفرع لتخريج الأساتذة.
ابن باديس وجمعية العلماء المسلمينالجزائريين
احتفلت فرنسا بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر في سنة 1349هـ 1930م فشحذ هذا الاحتفال البغيض همّة علماء المسلمين في الجزائر وحماسهم وغيرتهمعلى دينهم ووطنهم، فتنادوا إلى إنشاء جمعية تناهض أهداف المستعمر الفرنسي، وجعلوالها شعارًا يعبر عن اتجاههم ومقاصدهم هو: "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائروطننا"، وانتخبوا ابن باديس رئيسًا لها.
وفاة عبد الحميد بن باديس
في أيامه الأخيرة مرض مرضًا شديدًا فوافته المنية، في 8 من ربيع الأول 1359هـ = 16 أفريل1940م عن واحد وخمسين عامًا.
من أقواله
كان ينشد الشعر إلى شعبه ليغرس بهم بذرة الوطنية و العروبة فيقول :


شَعْـبُ الجـزائرِمُـسْـلِـمٌ


وَإلىَ الـعُـروبةِ يَـنتَـسِـبْ
مَنْ قَــالَ حَـادَ عَنْ أصْلِـهِ



أَوْ قَــالَمَـاتَ فَقَدْ كَـذبْ
أَوْرَامَ إدمَــاجًــا لَـــــــهُ



رَامَ الـمُحَـال من الطَّـلَـبْ
يَانَشءُ أَنْـتَرَجَــاؤُنَـــــا



وَبِـكَ الصَّبـاحُ قَـدِ اقْـتَربْ
خُـذْ لِلحَـيـاةِ سِلاَحَــــــهـا



وَخُـضِ الخْـطُـوبَوَلاَ تَهبْ





©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©