الحمد لله الذي جعل لنا قدوة حسنة، وسنَّ لنا أحسن السنن، وبيَّن لنا طريق السلامة من الفتن؛ فجعلنا على المحجة البيضاء ليليها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.. وصلى الله على قدوة الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد :
فإنه لا يكاد يخلو تحميل كتاب في التربية من إيراد القدوة كإحدى الوسائل المهمة لفعاليتها.. ولعظم أهميتها ورد الحث على الاقتداء بالأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ في كل الأمور،
ولذلك قال الله عز وجل: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} فهم مضرب المثل في الصفات المتميزة، وذلك لأنهم نهضوا بأعظم وأخطر مهمة، وهي إصلاح الناس، ولأن إصلاح الناس يتأرجوا طلب مستويات عليا من الأخلاق كان لهم منها النصيب الكامل؛ إعانة لهم للقيام بالمهام الشاقة.ووجود القدوة الحسنة دعم لانتشار الخير؛ لأن الناس ـ بفطرتهم ـ يحبون محاسن الأخلاق، ودرجات الكمال، وتعطيهم أملاً في الوصول للفضائل .
ولما للمعلم من أثر على تلاميذه فإننا نؤكد على أهمية القدوة الحسنة، ونذكر بعظيم الأجر والثواب الذي يصله من تأثر غيره بفعله وقوله.. فالمعلم قدوة بسمته وخلقه ومظهره وتعامله وأقواله، فالتلاميذ يرونه بمنظار الكمال ويعظمون أخطاءه، ومن أقبح الصفات أن تخالف أفعاله أقواله، قال الله تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }.
أيها المعلم :
إن لك مكانة عظيمة وبضاعة ثمينة وحياتك غنيمة، ومنزلتك رفيعة إن اتقيت الله وجعلت مراقبته نصب عينيك، فالعلم أمانة، والأجيال أمانة، والأمة بحاجة إلى من يرتقي بها إلى العلياء للسيادة في الأمم.. واسمع لما قال الحسن - رحمه الله -: "من استطاع منكم أن يكون إماماً لأهله، إماماً لحيه، إماماً لمن وراء ذلك، فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إلا كان لك منه نصيب ".
فيا من حمل على عاتقه الأمانة: إياك أن تضيعها أو تفرط فيها؛ فإنك غداً عنها مسؤول !!
إن العلم واجب مقدس يؤدى من الأعماق، فالأستاذ يتعلم العلم لأنه فريضة.. ويؤديه إلى الناس لأنه يراه فريضة؛ فقد كان الصدق والإخلاص سمة واضحة في علم المسلمين، فورث الأجيال هذا العلم على مر العصور .
حينما يؤدى المعلم عمله بصدق وإخلاص فإنه يجد أثره ولو بعد حين.. فالمسلمون اليوم في حاجة لأن يرجعوا إلى العلم في ظل استخفاف العابثين.. إن كانوا أرجوا طلبة في المدارس أو "أساتذة" يدرس مشروحون الطلاب وغايتهم الوظيفة أو الكسب أو الشهرة ووسيلتهم الغش والخداع والتلفيق! نريد القدوات أن تقود حتى تعود للأمة أمجادها .

وإننا إذ نؤكد على القدوة لأنها سبيل التأثير في النفوس، فعليك أيها المعلم أن يكون حالك أفصح دلالة وأقوى تأثير من مقامك، وأن تكون كل كلمة وحركة وإشارة صادرة عن تقيد بالمثل العليا ورغبة فيها وحب لها .
وليس أحب في نفوس الطلاب من ذلك المعلم الذي أضنى نفسه برعاية الحق والصبر عليه وعلى تكاليفه، حتى كبر في نفوسهم وأصبح أحرى أن يُستجاب لأمره، ويمتثل لقوله في غبطة وسرور؛ بعيداً عن إزعاج أوامر التسلط وسلطة العصا.. نريد القدوة الذي يمتثل لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيُلهم ويؤثر وينهض بالعزائم في نفوس الآخرين، وتصنع جيلاً مثالياً، وبيئة فاضلة، ومجتمعاً كريماً، ولو لم تعمد إلى وعظ محضر أو نصح مقصود.

منقول للافادة



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©