الباحثون عن ألوان الجمال في لغتنا العربية يستهويهم أحياناً التوقف أمام الكلمات والمفردات، كأنها مفاتيح سحرية لعوالم من الأفنان في القول والتعبير. ويبدو أن لديهم يقينا بأن هذه الكلمات السحرية الرائعة وثروة المفردات المنتقاة، المغربلة. المصفاة، هي السبب في شهرة من نعرفهم من الكتاب جاهز والشعراء والخطباء في الشرق والغرب، في جميع العصور. وفي رأي هؤلاء أن المفردات للكاتب والخطيب والشاعر والروائي والصحفي هي كآلات للصانع . ومنهم من يرى أن أهم ما في الجملة العربية: الاسم والفعل، غير أن الفعل قوتها وسلاحها وعضلها، وقد يكون المعنى رصيناً، وقد تكون الجملة متينة التركيب، لكن يعيبها فعل رخو هزيل . وأن هناك أفعالا باهتة، صفراء الوجوه، فقيرة الدم، شاحبة اللون، وأفعالا تفيض حيوية ودما واحمرارا، قاطعة حادة، مثل السيوف التي شحذتها أيدي الصياقلة. وأن هناك فرقا بين قولك: تقدمت السيارة مسرعة، وقولك: اندفعت تسابق الريح، وقولك: ارتفع صوته في القاعة وقولك: دوّى صوته، وبين قولك: سمعته يذمني فسكت وقولك: سمعته يذمني فسكت عنه، وبين قولك: بحث شامل الأمر وتقصاه وقولك: استجلى غوامضه وخاض عبابه. وبين قولك: أكثر من سؤال الشاهد وقولك: أمطره بالأسئلة. كما يرون أن من أقوى الأفعال العربية وأشدها بأساً ما كان على وزن فعّل وتفعّل ومشتقاتهما إذ إن وقعها على الآذان كوقع البارود الذي تتفجر شحناته، مثال ذلك قولك: ترصدت للرجل وتعقبت خطواته وتقحمت المخاطر وتفهمت الموضوع.
وعلى النقيض من هؤلاء، هناك من يعيبون على المتكلم أو الكاتب إفراطه في استخدام الاستعارات والمجازات، دعوة منهم إلى لغة عصرية أساسها البساطة والتحديد والحتمية والحسم، بدلا من الاسترسال وراء ألوان من البلاغة في مادة اللغة العاطفية والانفعالية، ويرون أن كثيرا من هذه الاستعارات والمجازات ـ التي يستخدمها البعض لتزيين الكلام ـ يمكن الاستغناء عنها من غير إخلال بدقة التعبير واكتمال المعنى . وهم يرون أن من صور العصرية في استخدام العربية أن نقول :
عرض للبحث شامل بدلا من عرض على بساط البحث شامل.
قاتل بدلا من خاض غمار القتال.
دارت المعركة بدلا من حمى وطيس المعركة.
انتهت المعركة بدلا من وضعت الحرب أوزارها.
تعزيز الثقة بدلا من تعزيز أواصر الثقة.
غضب بدلا من صب جام غضبه.
أطلقه بدلا من أطلق سراحه.
نحن نتحدث بدلا من نحن نتجاذب أطراف الحديث.
وهي دعوة تحمل في ثناياها إشارة بالتخلص من كثير مما يسمى بالعبارات المأثورة و"الكليشيهات" المحفوظة والمتوارثة.



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©