- أصل مادة المادة اللغة العربية و نشأتها:


مادة المادة اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية، وقد بقيت أقرب تلك اللغات إلى الأصل، إن كانت أحدثها نشأة و تاريخا، وذلك لاحتباس العرب في صحرائهم واعتصامهم بها دون سائر الشعوب ؛ فلم تتعرض الى ما تعرضت له اللغات السامية الأخرى من اختلاط. إلا أن أوائل تلك اللغة مازالت مطوية في مجاهل التاريخ، وجلٌُ ما نعرفه أنه هناك لغتين تفرٌعت عنها سائر اللهجات العربية، هما لغة الجنوب أو اللغة الحميرية، ولغة الشمال وهي اللغة المضرية.
لغة الجنوب و لغة الشمال: كانت لغة اليمن القحطانية تختلف عن لغة الحجاز العدنانية، في الأوضاع و التصاريف و أحوال الإشتقاق، وكانت لغة اليمن اكتر اتصالا باللغة الحبشية و الآكدية، ولغة الحجاز اكثر اتصالا باللغة العبرية و النبطية. وقد ذهب بعض العلماء الى ان لغة الجنوب القحطانية كانت أصلا من أصول العدنانية، واعتمدوا على النقوش المكتشفة حديثا في اليمن، فقد وجدوا فيها عبارات تتفق والعربية المضرية لفظا وتركيبا.ففي أقدم النقوش مئات من الكلمات المشتركة بين اللغتين وبعضها مطابق في رسمه ومعناه لما في مادة المادة اللغة العربية مثل أخ،أخت، وثن، شِبل، أسد، شهر.....


2- تطور اللغة المضرية:

وقد تطورت اللغة المضرية الحجازية بالتمازج و الإختلاط حتى وصلت الى الحالة التى رأينا صورتها في الأدب العربي الجاهلي وفي القرآن الكريم، وإليك الخطوات التي خطتها في سبيل اكتمالها:

1- اختلاط الحميرية بالعدنانية: لقد ثبت ان قبائل جنوبية هجرت ديارها وانتشرت في الحجاز وشمالي الجزيرة قبل الميلاد، وثبت ان عرب الجنوب كثيرا ما ارتادوا الديار الشمالية للإتجار، واختلط القحطانيون بالعدنانيين اختلاطا شديدا، وتقاربت اللغتان الحميرية و المضرية للتفاهم، واشتدٌ التفاعل و التطور مدة 5 قروون تقريبا. وقد تغلبت المضرية العدنانية اخيراً على الحميرية القحطانية لانهيار دولة الجنوب؛ ولكن المضرية من ذلك الإختلاط اكثر اتساعا، واكتر انفتاحا على الحضارة واسبابها.

2- اللهجات القبلية: وكان للقبائل العربية لهجات مختلفة الفروع متحدة الأصول، فمن ذلك كان الإبدال كقولهم في "الخِباء" "الخِباع" ومنها كان بتقديم بعض أحرف الكلمة كقولهم "الصاعقة" و "صاقعة"، ومن ذلك ما كان في اوجه الإعراب كنصب خبر ليس عند الحجازيين مطلقا ورفعه عند تميم إذا اقترن بإلا.... الى غير ذلك مما لا عدٌ له.

3- اللغة المثالية: وتكونت بجانب اللغات القبلية المختلفة التي تنطق بها كل قبيلة ولا يعسر فهمها على سائر القبائل، لغة مثالية خالية من العيوب و الهنوات هي لغة المجتمعات الأدبية، ولغة الشعر والخطابة، انصهرت فيها جميع اللهجات و اللغات العربية. وتكونت في احسن ما في تلك اللغات من عناصر، ونفضت عنها جميع العيوب التي وسمت سائر اللهجات، فبرزت احسن بروز في القرآن الكريم وفي ما وصلنا وفيما وصلنا من الأدب الجاهلي الرفيع. وقد طغت على تلك اللغات المثالية لهجة قريش لاسباب سنأتي على ذكرها، وكانت لهجة قريش اقل اللهجات عيوبا وأفصحها بياناً.

اما اسباب تكوين هذه اللغة الأدبية فكثيرة منها:

أ- الأسواق: وهي أمكنة شتى في الجزيرة العربية وكان العرب يختلفون إليها في أوقات معيٌنة لشؤون تجارية و قضائية و أدبية و نَسَبِية و غيرها، فيعالجون فيها مفادات الأسرى، والخصومات، وينصرفون الى المفاخرة والمنافرة بالشعر و الخطب في الحسب و النسب و الكرم والفصاحة و الجمال و الشجاعة، كما ينصرفون الى مسابقات الخيول و إقامة الألعاب، وتبادل عروض التجارة وغير ذلك. فكانت تلك الأسواق أشبه بمعارض عامة يفد إليها الناس من مختلف أنحاء الجزيرة؛ ومن أشهرها سوق عكاظ قرب مكة، ومجنٌَة وذو المجاز وكلاهما في ضواحي مكة المكرمة. أما سوق عكاظ فهي ملكة الأسواق، وكانت تقام من أول ذي القعدة الى العشرين منه، وكان يجتمع فيها الأشراف و الزعماء للمتاجرة و المنافرة و مفاداة الأسرى و التحكيم في الخصومات و أداء الحج. فكن من ثَمٌَ للأسواق أثر بليغ في توحيد اللسان وتعميم اللغة المثالية، و تغليب لغة قريش على سائر اللغات، لأن أشهر الأسواق في بلادهم.

ب-قريش: كانت مكة محطا للقوافل من عهد عهيد، وكانت موطن قريش موضوع إجلال للعرب لما ورثته من شرف و سؤدد وثراء، كما كانت مقام الكعبة يفد إليها الحجاج من كل الآفاق. فكان لقريش نصيب وافر في توحيد اللغة، تهذٌب لهجتها بما تأخذه من لغات القبائل الوافدة على بلادها، مما خفٌَ على اللسان و عذب السمع؛ وكان العرب يقلدون لسانها، الشعراء و الخطباء يؤثرون ما هو من ذلك اللسان لأن أهم الأسواق كانت في قريش والمحكمين فيها منهم احياناً كثيرة؛ وكان الشعر ينتشر في تلك الأصقاع في جميع أنحاء البلاد حاملا اليها لهجة قريش وأسلوبها.

ت-الحضارات المتاخمة: لم ينحصر العرب في جزيرتهم بمعزل عن الحضارات المتاخمة، بل كانوا دائما في احتكاك مع من جاورهم. فأضيفت الى لغة عدنان ثروة الحضارة القحطانية و حضارة مصر و فارس و الروم و الحبشة عن طريق التجارة أو عن طريق التنافس بين الحيرة و غسان، والفرس و الروم من ورائهما. فكانت اللغة تواصل تطورها مكملة ما ينقصها بما تأخذه من لغات تلك الحضارات الواسعة النطاق.
وهكذا وصلت مادة المادة اللغة العربية الى عصر الأدب الجاهلي، راقية، مزوٌدة بمحاسن لغات عديدة و حضارات كثيرة، تستطيع التعبير عن كل شيء مهما دقٌَ و سما، و تستطيع الإفصاح عن خلجات النفوس و لواعج الصدور، و تصوير المناظر و الخواطر، وما إن ظهر القرآن الكريم حتى ثبٌتها وعمل على حفظها بالرغم من تقلبات الأيام وأحداث الأزمان.


3- التحميل كتابة العربية:

لم توضع مادة المادة اللغة العربية وضعا، ولكنها تولٌدت بتنوع الحرف النبطي الذي كان شائعا في شمالي جزيرة العرب قبل الاسلام. فتكون سلسلة الخط العربي ثلاثا، أولها الخط المصري القديم بفروعه الثلاثة(الهيروغليفي، الهيرافيطي، و الديموطيقي) و ثانيهما الخط الفنيقي، و ثالثها الخط المسنَد. و المسنَد عدٌة انواع عرف منها أربعة: الخط الصفوي، و الخط الثمودي، والخط اللحياني، والخط السبئي أو الحميري. ومن المسنَد تفرٌع الخط الكندي و النبطي، ومن النبطي الخط الحيريٌ و الأنباري، و منه الخط الحجازي (وهو النسخي العربي). وأما الخط الكوفي فهو نتيجة هندسة و نظام في الخط الحجازي .

وكان العرب يالكتب الجاهزةون قديما في أكتاف الإبل، وفي العُسُب وهو جريد النخل يكشفون الخوص عنه ويالكتب الجاهزةون في الطرف العريض منه كما كانوا يالكتب الجاهزةون في اللخاف وهي الحجارة البيضاء الدقيقة، ويالكتب الجاهزةون أحياناً في الجلد وقطع الخزف و ألواح الخشب، وفي القرطاس المصري أي البردي



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©