المعلم و التلميذ بقلم : بشينية أحمد
طالب بالمدرس مشروحة العليا للأساتذة -قسم التاريخ و الجغرافيا -
يعتبر كل من المعلم و التلميذ محورين هامين ,وركيزتين أساسيتين في العملية التربوية , ولا ريب أنه دون إدراك حقيقة هذه العلاقة و غض الطرف عن فحوى هذه الرابطة ,من شأنه أن يخلق بدل الإشكال مشاكل و عواقب في وجه التلميذ و الأستاذ معا , لذلك استوجبت المصلحة إدراك هذه الرابطة إن أردنا إصلاح و تحسين منظومتنا التربوية , فما هي طبيعة العلاقة بين الأستاذ و تلميذه ؟ و ما هو واقعها اليوم في مدارسنا ؟
تباينت المواقف و تعددت رؤى المجتمع نحو طبيعة العلاقة بين الأستاذ و تلميذه بين الماضي و الحاضر , و ما هذا الاختلاف إلا انعكاس صريح لتغير المفاهيم و دخول مثيرات جديدة على المجتمع ,جعلت زوايا النظر بين أفراده و شرائحه متباينة اشد التباين ...
من المفترض أن تكتسي العلاقة بين الأستاذ و تلميذه طابعا مميزا, فهي علاقة مقدسة نابعة من صفاء المنبع الذي ينهل منه التلميذ عشية و إبكارا , يرد إليه ظمأنا , فإذا به يروى بعد ساعات بل تجده بعد سنوات يؤتي ثمارا جيدة ....هذه الحقيقة التي لا ينكرها إلا جاحد , بدأت في مجتمعنا الإسلامي منذ الشعاع الأول للدعوة المحمدية , فالرسول –صلى الله عليه و سلم – و في أول اتصال بسيد الوحي جبريل- عليه السلام- , كان وجها من أوجه الاتصال التسهيل تعليمي , بدأه جبريل -عليه السلام -بالسؤال , و ختمه بتلقين سيد ولد ادم معرفة جديدة , لذلك نسمي ذلك الاتصال تسهيل تعليما , بما أنه أحدث تغييرا على سلوك الرسول –صلى الله عليه و سلم -....و لعل هذا الدرس مشروح التسهيل تعليمي الأول الذي تلقاه الرسول –صلى الله عليه و سلم – مع جبريل -عليه السلام- في طريقه للدعوة و تسهيل تعليم الناس أمور دينهم , كان له انعكاسا على مواقف الرسول -صلى الله عليه و سلم- مع أصحابه من خلال اعتماد طريقة السؤال و الجواب عندما يريد تلقينهم معارف و أمور دينهم ...قال عمر بن الخطاب في حديث رواه مسلم : «بينما نحن جلوس عند رسول الله –صلى الله عليه و سلم – ذات يوم إذ طلع علينا رجل .....ثم قال (الرسول صلى الله عليه و سلم يا عمر أتدري من السائل ؟»قلت : «الله و رسوله أعلم »قال: «فانه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ».
لذلك لا عجب أن نجد تلميذ الأمس يقف اليوم وقفة إجلال و إكبار أمام من علمه حرفا سابقا , حتى يشعر و كأنه بات له عبدا اليوم لأنه قد حرره من ذل الجهل و هوان الأمية و هل هناك أعظم من عبودية الأمية و الجهل ؟
قال أمير الشعراء أحمد شوقي و هو يحيي المعلم , مقرا بدوره :
قم للمـــعلم وفه التبجــــــــــيلا كاد المــــــــــعلم أن يكون رسولا
لكن إذا كانت العلاقة بين الأستاذ و تلميذه ,كان من المفترض أن تكون هكذا ,فما هو واقعها اليوم بعيدا عن عبارات المن و الإطراء؟ و أين هو التلميذ من المعلم في حاضرنا ؟
يدرك القاصي و الداني أن العلاقة بين المعلم و تلميذه اليوم كان من المفترض أن تكون مميزة ,على الأقل لتميز الرسالة التي توصل للتلميذ ,و لقداسة المهنة التي يمارسها الأستاذ ...لكن الواقع المعاش يدحض هذا الطابع ,بل يجعله يظهر بنظرة طوباوية , لتأزم العلاقة بين الطرفين ,فأصبح التلميذ لا يولي أهمية لأستاذه ,وهذا الأخير لا يكترث للأمر لأن اهتماماته تعددت بعد تطور و تزايد متأرجوا طلبات الحياة ,,بل أنه من العجب و الصدف أن يجد الأستاذ تلميذه على طاولة واحدة في المقهى !أو صفا واحدا في المدرجات و قاعات المؤتمرات و الحفلات ...!
هذه الحقيقة التي لا ينكرها المجتمع تفسر حسب نظرة و وضع كل فرد و شريحة منه ,ففيما يراها البعض على أنها ليست إلا وجها من أوجه الانحلال و التراجع بخطوات إلى الوراء بدل الخطوة الأمامية ,و يشددون على ضرورة إعادة هيبة الأستاذ و ترقية دوره و تقريبه أكثر من تلميذه ,و يتحسرون صراحة على واقع التسهيل تعليم بين الأمس و اليوم ,حسرة قابلها البعض الأخر بالسخرية و الاستهزاء منكرين دور المعلم ,و معترفين فقط بالقدرات و المهارات الفطرية ,حتى منهم من حمل المعلم مسؤولية رسوب ابنه و تطليق الأخر لمقاعد الدراسة بالثلاث ...مرجعين ذلك إلى العداوة التي أضحت تميز أستاذ اليوم و التي ساهمت بقسط وافر –حسبهم - إلى جعل الابن ينظر للمدرس مشروحة على أنها مؤسسة عقابية ترهيبية , لا تربوية ...
نظرات في الحقيقة تدعو إلى دق ناقوس الخطر إزاء أسمى مؤسسة في المجتمع ,و تستدعي فتح الباب على مصراعيه أمام مواضيع حساسة تمس فلذات أكبادنا ,و مستقبلهم ,فكم من معلم انتحر و أخر اختل ؟و كم من تلميذ رسب و أخر تسرب بفعل سوء تقدير العلاقة بين محوري المدرس مشروحة و أخذ الأولياء و المسؤولين الأمر على غير محمل الجد ؟
هي إذن إحدى التحولات التي باتت تعرفها بلدان العالم الثالث على حد تعبير أحدهم و التي لم تستثن مجالا دون أن تلقي بضلاله فيه فقد فتحت العولمة بالانترنت بوابة المعرفة أمام التلميذ و اختزلت له المجلدات و الالكتب الجاهزة في البيت كما أنها أراحته من عناء المحفظة التي أرهقته و بالتالي أضحى ذهابه إلى الصف من أجل الرفاهية و الهزل لا العمل و الجد ...و بات بذلك الأستاذ بين المطرقة و السندان : هل يقوم بواجبه و يلقي درس مشروحه أمام التلميذ المتواضع دخله و المحروم من سبل التكنولوجيا ؟أو يخصص كل وقته من أجل توجيه و إلزام التلميذ الغني باحترام زميله الأخر الذي لم يتسن له ما أتيح للأول ؟



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©