اكتظاظ الفصول الدراسية... التحدي المؤرق

اكتظاظ الفصول الدراسية... التحدي المؤرق

رشيد بن الحاج


تعتبر المدرس مفصلة مؤسسة تربوية واجتماعية تضطلع بعدة أدوار ومهام تصب كلها في إطار تنشئة الفرد عن طريق تعهده بالتربية والتكوين وإكسابه القيم والمعارف والمهارات بما يساعده على المساهمة في تنمية مجتمعه في مختلف المجالات .
ولا شك أن نجاح المؤسسة التدريسية في بلوغ أهدافها رهين بتوفير مناخ تدريسي مشجع على الإنتاج و التحصيل ومساعد على تحقيق الأهداف والغايات التربوية والتدريسية المرجوة. ولعل حسن إدارة الفصل الدراسي يعتبر من أهم العوامل المساعدة على خلق ذلك المناخ المنشود . لكن من خلال رصد واقع الفصول الدراسية بالمؤسسة التدريسية العمومية بمختلف أسلاكها والوقوف عند الأجواء والظروف التي تتم فيها العمليات التدريسية التعلمية يتبين جليا أن المدرس مفصل بالرغم مما أوتي به من مهارات وكفاءة وفاعلية فإنه يجد نفسه أحيانا في ظل التحديات التي أصبحت تواجهه عاجزا على خلق بيئة تعلمية سليمة وملائمة تخول له القيام بأنشطة تدريسية متنوعة بما يحقق الأهداف المرسومة .ولعل من أكبر التحديات التي أصبحت تواجه المدرس مفصل وتحول دون خلقه لتلك البيئة المنشودة الاكتظاظ الذي تشهده الفصول الدراسية .
ومما لا شك فيه أن نسبة كبيرة من الفصول الدراسية في المؤسسات التدريسية العمومية بمختلف أسلاكها أصبحت اليوم تستقبل أعدادا كبيرة من التلاميذ قد تتجاوز طاقتها الاستيعابية . ولا مراء في أن المدرس مفصل في ظل هذه الأجواء الخانقة يصبح عاجزا عن أداء رسالته التربوية وإدارة المواقف التدريسية بالشكل الذي يسعفه على تحقيق الأهداف المرسومة وفق معايير الجودة و أسس النجاعة التدريسية المتغنى بها . ولنا أن نتساءل في هذا الإطار فنقول بالتفصيل الممل كيف يمكن للمدرس مفصل في ظل تكدس الفصل الدراسي بالتلاميذ أن يراعي الفروق الفردية بين المتعلمين ويتعرف على استعداداتهم و قدراتهم و حاجياتهم النفسية والاجتماعية و يتيح الفرصة لجميعهم أو لأغلبيتهم للتفاعل و المشاركة في بناء الدرس مفصل مع الحرص على خلق فرص التنافس البناء بينهم و مصاحبتهم وتتبع سيرورة تعلمهم و توفير الزمن الكافي لتقويم ومعالجة ما يساور شريحة منهم من مظاهر الضعف أو النقص أوالتعثر ؟
إن الاستفادة من عملية التعلم في ظل هذه الأجواء تصبح حكرا فقط على مجموعة معينة من التلاميذ الذين تتوفر لهم دافعية التعلم داخل جماعة القسم ، وهذه المجموعة تصبح في الحقيقة وحدها المستهدفة من العملية التدريسية وهي التي يجد المدرس مفصل نفسه مضطرا للتعامل معها والاعتماد عليها في بناء الأنشطة التدريسية في الوقت الذي تحرم فيه بقية المجموعات من هذه الحظوة فتصير بعد ذلك إما ضحية للتلقي السلبي أو تعمد في ظل إحساسها بالإهمال أو شعورها بالإقصاء من المشاركة والتفاعل إلى الانصراف إلى أعمال أو أنشطة أخرى قد تخل بنظام الفصل الدراسي. ولنا أن نتساءل كذلك من جانب آخر فنقول بالتفصيل الممل كيف يمكن للمدرس مفصل تنويع أنشطته التدريسية وطرائقه التواصلية وأساليبه التقويم المنهجيية ومقارباته البيداغوجية رسمية وسط بيئة تدريسية تفيض بجمهور من المتعلمين الذين تتفاوت قدراتهم واهتماماتهم واتجاهاتهم ، وهي بالطبع بيئة غير مناسبة لأن حقوق شريحة من المتعلمين تضيع نتيجة ضخامة عدد التلاميذ مقارنة بالحصة الزمنية المخصصة لتدرس مفصليهم ، فضلا عن ذلك فإن شروط الصحة والسلامة قد تنعدم في ظل هذه الأجواء إذ يقل أحيانا الأكسجين داخل بعض الفصول الضيقة المكدسة بالمتعلمين ويسود مناخ التشويش والضوضاء و تنتعش روائح العرق والأحذية وتتعالى أصوات سعال المتعلمين ، ولا ريب أن لهذه الأجواء تبعات صحية سلبية على المدرس مفصلين والمتعلمين معا . وعلى صعيد تدبير الزمن التعلمي يمكن الجزم بأنه لا يمكن للمدرس مفصل أن يدبر زمن الحصة الدراسية بشكل عقلاني وتربوي و يتعهد إعدادات وتحميل واجبات التلاميذ القبلية خلال كل حصة بالمراقبة والتتبع والتقويم المنهجي والتقييم ويضبط أسماء المتغيبين علما أن الحصة الدراسية لا تتجاوز مدتها 45 دقيقة. إن تحقيق كل ذلك يصبح في واقع الأمر تحديا يعجز المدرس مفصل عن تجاوزه بقدر ما يعجز كذلك عن اعتماد الأنشطة التقويم المنهجيية الهادفة وإجراء الفروض رسمية التحميل كتابية المحروسة بشكل يستثمر من خلاله مقتضيات التوجيهات التربوية ويراعي وظائف المراقبة المستمرة في بعديها التكويني والجزائي في ظل فصل دراسي مكدس يتكون من قرابة خمسين تلميذا حيث تنعدم الظروف والشروط الملائمة لتفعيل تقويم تربوي بناء ، إذ ترتفع نسبة حالات الغش في صفوف التلاميذ الذين يصبح المدرس مفصل غير قادر على تعهدهم بمفرده بالحراسة فتغيب بذلك مبادئ المصداقية والموضوعية والنزاهة والتنافس الشريف وتكافؤ الفرص وهو الأمر الذي بالطبع يحول بينه وبين استثمار نتائج التلاميذ المحصل عليها بالشكل التربوي المأمول.
إن التدريس في ظل الاكتظاظ أصبح في الواقع عملية شاقة تؤرق مضجع المدرس مفصلين وتستنزف طاقاتهم وترهق أعصابهم وتثير استياءهم وتبرمهم وتزيد من أعبائهم ومسؤولياتهم . وبما أن من المسلم به أنه كلما ازداد عدد التلاميذ داخل الفصل إلا وتقلصت مساحة الاستيعاب والاستفادة والتحصيل وتعمق حجم معاناة المدرس مفصلين ، فإننا نجزم أنه لا يمكن أن يستقيم حال المنظومة التدريسية في المؤسسة ونكسب رهان الإصلاح المنشود دون تبني صناع القرار لحلول جذرية لحل معضلة الاكتظاظ ، ونعتقد أن ذلك لن يتحقق إلا عبر الرفع من منسوب توظيف الأطر التدريسية و توسيع الطاقة الاستيعابية للمؤسسات التدريسية العمومية المتوفرة مع تسريع وتيرة تشييد مؤسسات تدريسية أخرى تواكب ديناميكية التوسع العمراني والنمو الديموغرافي الذي تشهده القرى و المدن .
منقووووووووول







©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©