محمد جمال الدين بن السيد صفتر الحسيني الأفغاني (1838 – 1897) ، أحد الأعلام البارزين في النهضة المصرية ومن أعلام الفكر الإسلامي بالنسبة للتجديد.
منشأه
ولد جمال الدين عام 1839م / 1254 هـ، في أسعد آباد إحدى مدن بلاد الأفغان [3]، ووالده السيد صفتر[1]] الحسينية، ويرتقي نسبه إلى عمر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضى الله عنه، ومن هنا جاء التعريف عنه بالسيد جمال الدين الافغاني. يؤكد العلامة مصطفى جواد ان جمال الدين الأفغاني يعتبر من أهم الشخصيات الأفغانية[4] وتدعي المصادر ان شركة الأفغاني ولدت في 1838 في "أسد آباد"، كان ولد وأمضى طفولته في "أسعد آباد"، أفغانستان. وقد تربي دينيا ليكون مسلما صوفيا، ولكن عُرف كونه من المسلمين الاصولين، متوافقا مع الأفكار السائدة التي تقف حاجزاً أمام سلطة الفكرة والشخص أمام الجماهير، المنحازة للعاطفة الدينية., وقد حدث خلاف شديد بين الكثير من المؤرخين والتحميل كتاب حول الدولة التي ينتمى إليها جمال الدين الافغانى وهذا ما اثبت محمد عمارة ان بالعديد من الاثباتات بنفيه شيعية جمال الدين الافغانى.(مقتبس من مجلة العربى عدد شهر سبتمبر 2016
كانت لأسرته منزلة عالية في بلاد الأفغان، لنسبها الشريف، ولمقامها الاجتماعي والسياسي إذ كانت لها الإمارة والسيادة على جزء من البلاد الأفغانية، تستقل بالحكم فيه، إلى أن نزع الإمارة منها دوست محمد خان أمير الأفغان وقتئذ، وأمر بنقل والد السيد جمال الدين وبعض أعمامه إلى مدينة كابل، وأنتقل الأفغاني بانتقال أبيه إليها،[1] وهو بعد في الثامنة من عمره، فعني أبوه بتربيته وتلقينه، على ما جرت به عادة الأمراء والعلماء في بلاده.
كانت مخايل الذكاء، وقوة الفطرة، وتوقد القريحة تبدو عليه منذ صباه، فتعلم مادة المادة اللغة العربية، والأفغانية، وتلقى علوم الدين، والتاريخ، والمنطق، ومادة الفلسفة، والرياضيات،[1] فأستوفى حظه من هذه العلوم، على أيدي أساتذة من أهل تلك البلاد، على الشرح طريقة المألوفة في الالكتب الشامل الوافية الإسلامية المشهورة، وأستكمل الغاية من دروش مفصلةه وهو بعد في الثامنة عشرة من عمره، ثم سافر إلى الهند، وأقام بها سنة وبضعة أشهر يدرس مميز العلوم الحديثة على الشرح طريقة الأوروبية وتعلم اللغة الإنجليزية،[1] فنضج فكره، واتسعت مداركه. وكان بطبعه ميالاً إلى الرحلات، واستطلاع أحوال الأمم والجماعات، فعرض له وهو في الهند أن يؤدي فريضة الحج، فأغتنم هذه الفرصة وقضى سنة ينتقل في البلاد، ويتعرف أحوالها، وعادات أهلها، حتى وافى مكة المكرمة في سنة 1857 م - 1273 هـ، وأدى الفريضة.
بداية حياته العملية
ثم عاد إلى بلاد الأفغان، وانتظم في خدمة الحكومة على عهد الأمير دوست محمد خان المتقدم ذكره وكان أول عمل له مرافقته إياه في حملة حربية جردها لفتح هراة، إحدى مدن الأفغان، وليس يخفى أن النشأة الحربية تعود صاحبها الشجاعة، وأقتحام المخاطر، ومن هنا تبدو صفة من الصفات العالية، التي أمتاز بها جمال الدين، وهي الشجاعة، فإن من يخوض غمار القتال في بدء حياته تألف نفسه الجرأة والإقدام، وخاصة إذا كان بفطرته شجاعاً.
ففي نشأة الأفغاني الأولى، وفي الدور الأول من حياته، تستطيع أن تتعرف أخلاقه، والعناصر التي تكونت منها شخصيته، فقد نشأ كما رأيت من بيت مجيد، ازدان بالشرف وأعتز بالإمارة، والسيادة، والحكم، زمناً ما، وتربى في مهاد العز، في كنف أبيه ورعايته، فكان للوراثة والنشأة الأولى أثرهما فيما طبع عليه من عزة النفس، التي كانت من أخص صفاته، ولازمته طوال حياته، وكان للحرب التي خاضها أثرها أيضاً فيم اكتسبه من الأخلاق الحربية، فالوراثة والنشأة، والتربية، والمرحلة الأولى في الحياة العملية، ترسم لنا جانباً من شخصية جمال الدين الأفغاني.
سار الأفغاني إذن في جيش دوست محمد خان لفتح "هراة"، ولازمه مدة الحصار إلى أن توفي الأمير، وفتحت المدينة بعد حصار طويل، وتقلد الإمارة من بعده ولى عهده شير علي خان سنة 1864م - 1280 هـ.
ثم وقع الخلاف بين الأمير الجديد وأخوته، إذ أراد أن يكيد لهم ويعتقلهم، فانضم السيد جمال الدين إلى محمد أعظم أحد الأخوة الثلاثة، لما توسمه فيه من الخير. أستعرت نار الحرب الداخلية، فكانت الغلبة لمحمد أعظم، وانتهت إليه إمارة الأفغان، فعظمت منزلة الأفغاني عنده، وأحله محل الوزير الأول، وكان بحسن تدبيره يستتب الأمر للأمير، ولكن الحرب الداخلية، مالبثت أن تجددت، إذ كان شير علي لايفتأ يسعى لاسترجاع سلطته، وكان الإنجليز يعضدونه بأموالهم ودسائسهم، فأيدوه ونصروه، ليجعلوه من أوليائهم وصنائعهم، وأغدق شير علي الأموال على الرؤساء الذين كانوا يناصرون الأمير محمد أعظم، فبيعت أمانات ونقضت عهود وجددت خيانات، كما يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده وأنتهت الحرب بهزيمة محمد أعظم، وغلبه شير علي، وخلص له الملك.
بقي السيد جمال الدين في كابل لم يمسسه الأمير بسوء، احتراماً لعشيرته وخوف انتفاض العامة عليه حمية لآل البيت النبوي، وهنا أيضاً تبدو لك مكانة الأفغاني، ومنزلته بين قومه، وهو بعد في المرحلة الأولى من حياته العامة، ويتجلى استعداده للإضطلاع بعظائم المهام، والتطلع إلى جلائل الأعمال، فهو يناصر أميراً يتوسم فيه الخير، ويعمل على تثبيته في الإمارة، ويشيد دولة يكون له فيها مقام الوزير الأول، ثم لاتلبث أعاصير السياسة والدسائس الإنجليزية أن تعصف بالعرش الذي أقامه، ويغلب على أمر الأمير، ويلوذ بالفرار إلى إيران لكي لايقع في قبضة عدوه، ثم يموت بها، أما الأفغاني فيبقى في عاصمة الإمارة، ولايهاب بطش الأمير المنتصر، ولايتملقه أو يسعى إلى نيل رضاه، ولاينقلب على عقبيه كما يفعل الكثيرون من طلاب المنافع، بل بقي عظيماً في محنته، ثابتاً في هزيمته، وتلك لعمري ظواهر عظمة النفس، ورباطة الجأش، وقوة الجنان.
وهذه المرحلة كان لها أثرها في الإتجاه السياسي للسيد جمال الدين، فقد رأى مابذلته السياسة الإنجليزية لتفريق الكلمة، ودس الدسائس في بلاد الأفغان، وإشعال نار الفتن الداخلية بها، وأصطناعها الأولياء من بين أمرائها، ولا مراء في أن هذه الأحداث قد كشفت للمترجم عن مطامع الإنجليز، وأساليبهم في الدس والتفريق، وغرست في فؤاده روح العداء للسياسة البريطانية خاصة، والمطامع الاستعمارية الأوروبية عامة، وقد لازمه هذا الكره طوال حياته، وكان له مبدأ راسخاً يصدر عنه في أعماله وآرائه وحركاته السياسية.
أثره العلمي والأدبي
أقام المترجم في مصر، وأخذ يبث تعاليمه في نفوس تلاميذه، فظهرت على يده بيئة، استضاءت بأنوار العلم والعرفان، وارتوت من ينابيع الأدب والحكمة، وتحررت عقولها من قيود الجمود والأوهام، وبفضله خطا فن التحميل كتابة والخطابة في مصر خطوات واسعة، ولم تقتصر حلقات دروش مفصلةه ومجالسه على أطلبة العلم، بل كان يؤمها كثير من العلماء والموظفين والأعيان وغيرهم، وهو في كل أحاديثه "لايسأم" كما يقول عنه محمد عبده، من الكلام فيما ينير العقل، أو يطهر العقيدة أو يذهب بالنفس إلى معالي الأمور، أو يستلفت الفكر إلى النظر في الشؤون العامة مما يمس مصلحة البلاد وسكانها، وكان أطلبة العلم ينتقلون بمايالكتب الشامل الوافيةونه من تلك المعارف إلى بلادهم أيام البطالة، والزائرون يذهبون بما ينالونه إلى أحيائهم، فاستيقظت مشاعر وتنبهت عقول، وخف حجاب الغفلة في أطراف متعددة من البلاد خصوصاً في القاهرة.
وقال محمد عبده في موطن آخر يصف تطور التحميل كتابة على يد الأفغاني: "كان أرباب القلم في الديار المصرية القادرون على الإجادة في المواضيع المختلفة منحصرين في عدد قليل، وما كنا نعرف منهم إلا عبد الله باشا فكري وخيري باشا، ومحمد باشا سيد أحمد على ضعف فيه، ومصطفى باشا وهبي على اختصاص فيه، ومن عدا هؤلاء فإما ساجعون في المراسلات الخاصة، وإما مصنفون في بعض الفنون العربية أو الفقهية وما شاكلها، ومن عشر سنوات ترى الكتب الشامل الوافيةة في القطر المصري، لايشق غبارهم ولايوطأ مضمارهم، وأغلبهم أحداث في السن، شيوخ في الصناعة، وما منهم إلا من أخذ عنه، أو عن أحد تلاميذه، أو قلد المتصلين به".
فروح جمال الدين كان لها الأثر البالغ في نهضة العلوم والآداب في مصر، ولايفوتنا القول بأن البيئة التي كانت مستعدة للرقي، صالحة لغرس بذور هذه النهضة، وظهور ثمارها، أو بعبارة أخرى أن مصر بما فيها جامع الأزهر، والمعاهد العلمية الحديثة، والتقدم العلمي الذي ابتدأ منذ عهد محمد علي، كانت على استعداد لتقبل دعوة الحكيم الأفغاني، ولولا هذا الاستعداد لقضي على هذه الدعوة في مهدها، ولأخفق هو في مصر كما أخفق في الأستانة، حيث وجد أبواب العمل موصدة أمامه، وهذا يبين لنا جانباً من مكانة مصر، وسبقها الأقطار الشرقية في التقدم العلمي والفكري والسياسي، ويزيد هذه الحقيقة وضوحاً أنك إذا استعرضت حياة جمال الدين العامة، وماتركه من الأثر في مختلف الأقطار الشرقية التي بث فيها دعوته، وجدت أثره في مصر أقوى وأعظم منه في أي بلد من البلدان الأخرى، وفي هذا مايدلك على مبلغ استعداد مصر للنهضة والتقدم، إذا تهيأت لها أسباب العمل ووجدت القادة والحكماء.
مرضه ووفاته
وكانت وفاته صبيحة الثلاثاء 9 مارس سنة 1897م، وما أن بلغ الحكومة العثمانية نعيه حتى أمرت بضبط تحميل أوراقه وكل ما كان باقياً عنده، وأمرت بدفنه من غير رعاية أو احتفال في مقبرة المشايخ بالقرب من نشان طاش فدفن كما يدفن اقل الناس شأنا في تركيا، تم نقل جثمانه من تركيا في عام 1944 في موكب إسلامي مهيب إلى بلده أفغانستان، حيث دفن في مدينة كابل ويقع ضريحه حاليا في وسط جامعة كابل.




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©