مولده:
مراد ديدوش الابن الأصغر لعائلةقبائلية،كان الوالد يدعي"أحمد" مكونة منثلاثة أولاد بالإضافة إلى الأم، تملك مطمعا شعبيا صغيرا وسط العاصمة بشارع ميموني،وكانت انتقلت إلى العاصمة في منتصف العشرينات
وفي الوقت الذي كانت الأم المرحومة " فاطمة ليهم" تحملفي بطنها مراد، اشترى الأب قطعة أرض بشارع "ميموزا" بحي )"لارودوت( والمسمى الآن بالمرادية تخليدا للشهيد.
وتمكنت العائلة من بناء المنزل قبل ازدياد الإبن الأصغرالذي جاء إلى الدنيا بإحدى غرفه، وكانت العائلة متفائلة بهذا المولود الذي يقال عنهأنه "مسعود" وأن الدرويش الذي يتردد إلى مطعم الوالد قدبشره.
وتشاء الأقدار أن يولدمراد في يـوم 14 جويلية 1927 والذي يصادف العيد السنوي للثورة المادة الفرنسية، ولكن وطنيةالأب واعتزازه بدينه وكرهه للاستعمار، وعملائه خاصة جعله يسجله بالبلدية على أنهولد يوم 13 جويلية 1927 بدل الرابع عشر.
وتكون بذلك هذه الحادثة بمثابة درس مميز لقنه الشيخ " أحمد" لابنه الأصغر في الوطنية التي كان أهل المداشر والقرى يعتزون بها وينتهزون الفرصلإبرازها في وقت ظن البعض أن الجزائر أصبحت مادة الفرنسية.
حـياتـه:
زاول دراستهالابتدائية بالعاصمة التي تحصل فيها سنة 1939 على الشهادة الابتدائية لينتقل بعدهاإلى المدرس مميزة التقنية " بالعناصر" حيث درس مميز إلى غاية سنة 1942 حيث يقرر مراد الانتقالإلى قسنطينة لمواصلة دراسته فيها هناك توفي والده وكان عمره لا يتجاوز 23سنة.
وفي تلك الفترة بدأ مراديتعاطى السياسة مع بعض زملائه في خلايا حزب الشعب الجزائري بقسنطينة وكان ذلك جليافي رسالة بعثها لأسرته والتي أثارت دهشة شقيقه " عبد الرحمن " الذي قال: " لقدبعثناه ليدرس مميز فلماذا يتعاطى السياسة "؟ فأجابته الأم بحنان : " ذلك هو قدره ..." .
اترابهيسمونه القصير:
في سنة 1944 يلتحق مراد بمؤسسة السكك الحديدية بالعاصمةبعد حصوله على شهادة الأهلية وذلك كموظف في إحدى محطات القطار بالعاصمة، وبعد شهورقلائل، أشرف مع نخبة من شباب الحركة الوطنية على مظاهرات الأول من شهر ماي 1945بالعاصمة، وينظم إلى حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية بصفةدائمة ويغادر بذلك مؤسسة السكك الحديدية في منتصف سنة 1945.
من هذا التاريخ إلى غاية سنة1948 نشط الشهيد في عدةجوانب بدءا من النشاط الكشفي حيث أسس سنة 1946 فرقة للكشافة الإسلامية الجزائرية،ثم انظم إلى المنظمة المسلحة، وسنة من بعدها أنشأ ناديا رياضيا لمختلف الرياضاتسماه" )راما ( الراسينغ الرياضيالإسلامي الجزائري والذي كان لاعبا فيه بالإضافة إلى كونه المشرف عليه ماديا،تنظيميا.
ثم جمد نشاطه بعدما قررالحزب إرساله إلى قسنطينة حيث عين كمسئول للحزب على مستوى عمالة قسنطينة سنة 1948. وقد اشتهر آنذاك باسمالقصيرلقصرقامته (1.68 م تقريبا) وهو الاسم الذي ظل أولاد الحي وكل من عرفه في تلك الفترةينادونه به حتى من الميدان النضالي والسياسي.
مكث في قسنطينة طيلة سنتين نشط خلالها في كثير من القرىوالمد اشر المحيطة بقسنطينة وخاصة قرية "السمندو" وقرية " بيزو" التي تحمل إسمهاليوم، إلى غاية التحاقه بجبال الأوراس رفقة نخبة من شباب الحركة الوطنية لأسبابأمنية، ليتدرب هناك على الرمي بالسلاح ويصبح ماهرا فيه.
وفي سنة 1952، يرجع ديدوش إلى العاصمة ليعين كمسؤول منناحية البليدة وفي تلك الفترة أثبت لكل من عرفه أنه صاحب مغامرة وشجاعة نادرا ماتكون عند المسئولين، فلقد تم القبض عليه بمدينة " المدية" من طرف شرطي، وشاءتالأقدار أن هذا الشرطي من معارفه و لكونه كان يقطن حيا مجاورا للحي الذي ينشط فيهمراد في ميدان الرياضة، فاستغل الشهيد هذا الجانب والتساهل الذي أبداه الشرطيتجاهه، فعندما وصلا مركز الشرطة، عاين ديدوش مراد المكان قبل أن يقوم بأي عمل ،وكانيرتدي " قشابية" فلما أطلبوا منه تقديم للتحميل وثائقه الشخصية، استأذنهم في نزع " القشابية" ورماها على وجوههم قبل أن يقفز فوق حائط قصير يفصل المكاتب عن الساحة ويلتحقبالبليدة مشيا على الأقدام بعدما عبر أعالي البليدة.
وبعد هذه الحادثة، قرر الحزب إرسال ديدوش إلى فرنسا رفقةبوضياف، فأطلب من صديقه:" قاسي عبد الله عبد الرحمن" أن يزوده بشهادة الميلاد للحصولعلى للتحميل وثائق شخصية باسم مستعار فكان" قاسي عبد الله عبد الرحمن" هو اسمهالجديد.
ويرحل إلى فرنسا التييمكث بها إلى غاية 1954 حيث يرجع إلى أرض الوطن أشهرا قليلة قبل اندلاع الثورةليساهم في إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل،ويعين في أكتوبر من نفس السنة مسئولاعلى منطقة قسنطينة للإشراف على تفجيرات الثورة بالولاية الثانية، وليعرف هناك باسم: السي عبد القادر.
وكان الشهيد منالأوائل الذين سقطوا في حزب التحرير وذلك يوم 18 جانفي 1955 بعد معركة قرب بوكركارخاضها رفقة 17 مجاهدا يرأسهم بنفسه وبمساعدة زيغود يوسف الذي سلمه ديدوش كل الللتحميل وثائقوأمره بالإنصراف قبل أن يستشهد وتصدق مقولته ويبرهن للجميع أنه عاش بحق من أجلالجزائر ومات من أجلها ولم يحمل في قلبه غير حبها وحب أبنائها المخلصينلها.
تكوينه الديني:
في منزل عائلةديدوش كانت هناك مدرس مميزة قرانية قبل أن تتحول إلى مخبزة يشرف عليها عبد الحميد،وبمجردبلوغ مراد –أربع سنوات- أخده أبوه عند الشيخ أرزقي والطاهر ليلقنه القران الكريم, ويستمر ذلك إلى غاية التحاقه بالمدرس مميزة النظامية، وذلك سنة 1933, وكانت هذه السنواتبمثابة الإسمنت المسلح الذي بني عليه التكوين القاعدي لشخصية الشهيد المتشبعةبالتدريس الإسلامية التي لقنها بدوره لشباب الكشافة الإسلامية الجزائرية بفوج"الأمل ".
كما كانت اللقاءات العفويةالتي كان يجريها مع الشيخ خير الدين – وهو مدرس مميز بالمدرس مميزة الفرونكو إسلامية – عندحلاق الحي تعكس مدى ثقافة مراد الإسلامية, حيث كان يقوم بتحليل أوضاع العالمالإسلامي والعربي وكأنه خريج جامعة الزيتونة أو الأزهر, وهو الذي كان لا يتعدى عمرهآنذاك العشرين سنة.
وكانا هو والشيخ خير الدين يتفقهان على أن خلاص هذه الأمة يكمن في تشبتها بإحياء دينهاولغتها.. وأنه لامناص من بلوغ ذلك .
أسموهالهراج:
كان أصغرالستة المفجرين للثورة: بن بولعيد – بن مهيدي – بوضياف – كريم بلقاسم – بيطاط – "ديدوش " وأكثرهم انفعالا وأحرصهم على تلطيف الجو بالنكث والضحكالمشوق.
كل هذا جعل من رفقائهيسمونه الهراج , فكان تواقا إلى اندلاع الثورة وإن كان ذلك بالفأس والسكين , يهابهالكثير, ويخافونه لميله إلى استعمال القوة ففي إحدى المرات وعندما كانت التحضير رائعاتمتواصلة لتفجير الثورة, ذهب بن بولعيد إلى اللجنة المركزية للحصول على أموال تستعملفي أمور مستعجلة’, فعاد خالي اليدين, لم يستطع الإقناع, فغضب ديدوش وقال بصوت عال: "أنا أتيكم به" ورجع من عند اللجنة بوعد 03 ملاين سنتيما, كما يستضيف الستة فيمنزله بحي لابوانت .
ففي إحدىالليالي صعد مراد رفقه بن بولعيد إلى شجرة مثمرة لجار فرنسي, ولم ينزل حتى تركهاوكأنها لم تثمر قط, والإحراج في ذلك أنه لم يكن لذلك الفرنسي أولاد فأضطر بوقشورةإلى اختلاق قصة مشوقة حتى لا يكشف أمر استضافته لغرباء قد يوجه أنظار البوليس الفرنسي نحوالبيت المقيمين به.
خفيفالروح:
كان الشهيدرحمه الله, يحب الضحك والتنكيت وسرد القصص والاستماع إليها وكان أفراد أسرتهوأصدقاؤه لا يتعرفون على المكان الذي كان يوجد فيه طيلة غيابه لأن السرية في العملكانت مطلوبة, لأسباب خاصة به, فقد حكى أصدقاؤه في إحدى المرات في مقهى الكمال ببابالزوار قصة مشوقة حدثت له مع دركيين ولكن ينسبها لغيره وبعد ما تم القبض عليه بقسنطينة منطرف الدر كيين, اقتاداه وراءهما على مسافة عدة كيلومترات كانا يركبان حصانين وعندماوصلا ينبوع ماء, أطلب الشهيد منهم فك قيوده ليشرب وبينما كان الدر كي منهمكا في فكالقيود, انهال عليه مراد بضربتي رأس فخر صريعا وفاجأ الثاني الموجود على جوادهوأسقطه مغميا عليه واسترجع بعدها سكينه الذي سلب منه عند القبض عليه، وبعدما شدوثاقهم إلى جدع شجرة وبذل أن يهرب أخد يشحذ سكينه بحجر أخرجه من الماء وهو يشيربيديه إلى رقبته وكأنه يتهيأ ليذبحهما وكان ذلك تعبيرا عن رد فعل لما عاناه طيلةالكيلومترات التي مشاها وراءهم ولإدخال الرعب في نفس الدر كيين وبقي في تلك الحالةلمدة ساعة كاملة, فسئل لماذا لم يفر فقال: لقد كنت محتاجا للراحة فأردتها بطريقتي, وأن أترك ذكريات عند السلطة الاستعمارية...
والسكان في سيدي الجليس (في قسنطينة) يؤكدون في هذاالمجال قصة مشوقة تكشف عن (الدم البارد) الذي كان بتمتع به ديدوش وكان ذلك في شهر ديسمبر 1954 وكان على موعد في قسنطينة مع شخص ليحاول إقناعه بالانضمام وكان الموعد فيمقهى.
ودخل ديدوش المقهىوالبوليس يقتفي خطاه وكان ديدوش يعرف أن البوليس وراءه لكنه لم يكن يعرف أن البوليسقد عرفه وأنه يقصده هو بالذات وعندما جلس ديدوش داخل المقهى لاحظ أن الدوريةالبوليسية تتوجه نحوه بالذات لتأطلب منه ورقة التعريف فلم يضطرب ولم يتحرك ومد يدهبكل هدوء إلى جيبه وأخرج مسدسا من نوع (باربيلوم) وأمرهم أن يرفعوا أيديهم فامتثلواثم أمرهم أن يستديروا نحو الجدار ففعلوا ثم خرج بكل هدوء وذاب فيالمدينة.
مع ثورة نوفمبر 1954 :
إن من يعرف ديدوش مراد يتأكد أنه ينتظر هذا اليوم علىأحد من الجمرإذ كان من الذين حرروا الفداء الثوري الموجه إلى الشعب الجزائري والذيأعلن فيه بداية الثورة.
وعندماأعلنت عقارب الساعة الثانية عشر من أول نوفمبر الخالدة "كان مراد" على رأس فرقة منالأبطال في الشمال القسنطيني يطل أول رصاصة...
وبها بدأ العقد التنازلي للوجود الاستعماري الفرنسي ومنذذلك اللحظة التي أثلجت صدر الشهيد وهو في عمل دءوب لا تنام له عين ولا يهدأ بال فماقتىء يغتنم كل فرصة تتاح لتسديد الضربات اللاحقة للعدو وكان في نشاطه هذا وكأنهيعلم أن حياته في الثورة لاتصل ثلاثة أشهر.
وبالرغم من قصر المدة التي عاشها في الكفاح المسلح إلاأنه كان مثالا للقائد العظيم الذي يعرف بالتفصيل الممل كيف يحول الهزيمة إلىنصر.

و في 18 جانفي 1955 بينماكان في مجموعة من 18 مقاتلا متجها من "السفرجلة" قرية قريبة من بلدية زيغود يوسفمتجها إلى بوكركر فوجدوا أن الأرض محاصرة بالعدو من كل جهة وتبين أن القواتالعسكرية المحاصرة كانت هائلة وقد قدرت بخمسمائة جندي فرنسي معززين بالعتاد الحربيالمتطور،لكن مراد ديدوش بعد وقفة تأملية قصيرة وبعد نظرة خاطفةألقاها على المكان الذي ستدور فيه المعركة اتخذ موقف حزم وإصدار وهو يعلم مسبقانتائجه ويعلم أن محاولة الانسحاب هو الانتحار المحقق والجبن الذي لا يتفق وطبيعةالمجاهد المؤمن, فوقف بين جنوده في صدق العزيمة وقوة الإيمان وحسن اليقين وقال: فيلهجة صادقة مؤثرة ما معناه "لا نستطيع الخروج الآن بعد أن إحكام العدو الحصار إذنفالمعركة لازمة, يجب على واحد منكم أن يتذكر أسلوب حرب العصابات على الطريقةالفردية فعلى كل واحد منكم أن يعتمد على نفسه فقط, في مواجهة العدو, ويجب أن تذكرواعلى الأخص أن المعركة التي سنخوضها بعد قليل معركة هامة, وأعنى الأهمية المعنوية , والنتائج البعيدة التي تترتب عنها،أن العدو لم يعرف إلى اليوم درجة مقاومتنا عندمانواجهه وجها لوجه , في معركة مثل هذه, والشعب يروي عنا الأساطير, لكنه لم يسبق أنشاهد معركة تكشف له عن مبلغ ثباتنا في القتال, ودرجة قوتنا في الدفاع عنأنفسنا.
إذن فالمعركة المقبلةتجربة أساسية للعدو, ولنا وللشعب ويجب أن نقيم للعدو الللمعلم دليل على أنه تجاه جيش ثورييدافع عن مبدأ يدفع في سبيله أغلى ما يملك, ويجب أن تكون هذه المعركة, مصدر اعتزازللشعب حتى يزداد تعلقا بالثورة وحتى لا يقول عنا أننا لانحسن الدفاع عن أنفسنا, فبالتفصيل الممل كيف نستطيع حماية الشعب, فبذلك فقط نسهل المهمة على إخواننا الذين يبقون بعدنا, ولانخلف لهم تركة مثقلة تنوء كواهلهم".
وفي حدود الساعة الثامنة صباحا بدأتالمعركة،وأعجب ما يبعث على الدهشة بحق أن أكثر سلاح المجاهدين منالنوع البسيط العتيق الذي لا يشجع على الوقوف أمام المسلحين ببنادق الصيد الجديدةالسليمة وبالتفصيل الممل كيف بالوقوف تجاه المدافع والرشاشات والقنابل والطائرات في مغامرة حربيةخطيرة كهذه ولكنه الإيمان والشجاعة وحب التضحية التي تهتف بين جنبي المجاهدالجزائري أن تحصى من فروا وسلموا.
وعندما أوشكت المعركة أن تنتهي رأى جنديا في موضع مكشوف, وبرز لينصحه بحسن الاختفاء, فانهال عليه وابل من الرصاص فسقط شهيدا.
وفي الخامسة مساءا انتهتالمعركة باستشهاد سبعة مجاهدين, أما حصيلة الجيش الفرنسي فقد كانت ثقيلة حيث قتل 80وجرح 02 وأسر 01.
وكان أول مناستشهد من القادة الثوريين وانتهت حياته النضالية البطولية لتبتدئ حياته التاريخيةالخالدة التي لا ترضخ للفناء.
وأصبح قبره مزارة يقصدها الناس من كل حدب لتبادل قصصالثورة وحكايات الجهاد, واستلهام الدرس مميز والعبرة فكانوا يجتمعون حوله ويعرضون صورامن نضاله السياسي, وكفاحه البطولي وحياته النموذج رسميية للوطن الصادقالغيور.
ثم يتفرقون وقد تفاعلوابهذا الجو الثوري, وتزودوا بطاقات من الإرادة العزم تدفعهم إلى الميدان للدفاع عنالوطن والاستشهاد من أجله كما دافع عنه واستشهد في سبيله صاحب هذاالقبر.
وقد خلفه في القيادةرفيقه البطل زيغود يوسف, الذي سار على دربه لتستمر الثورة قوافل الشهداء من خيرةأبنائها إلى بزغت شمس الحرية تضيئ ربع هذا الوطن الحبيب.
المجد والخلود لشهدائناالأبرار
من أقوال الشهيد البطل ديدوشمراد
إن على الثوار الأوائل أن ينفقواأربع سنوات لنشرمبادئ الثورة وتعميمفكرة الاستقلال
وجعلها مألوفة لدىالأهالي
المجد والخلودلشهدائنا الأبرار



©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©