يعرف الداني والقاصي أن نسبة الأمية في البلدان العربية مرتفعة جدا إلى حد يثير بكاء الأحبة وشفقة الأعداء على السواء! حتى أن المرء يحار حقا، هل هذا الكم الهائل المُغَيّب من الذين لا يعرفون حتى تحميل كتابة أسمائهم مكتفين ببصمات إبهاماتهم تعريفا بأنفسهم مجرد أرقام لا غير،ثم هل يمكن أن يُصَنّفَ هذا الكم الهائل ضمن فئة المغلوب عليهم ولا الضالين، وكأن محنتهم مرتبطة بما رسمتها الأقدار لهم، بحيث لا دور للإنسان مطلقا في زحزحة أميتهم والقضاء عليها، أم أنهم جيوش جرّارة وكتل عمياء تم الإبقاء على وضعها، كيما يجري تحريكها، عند الضرورة، من قبل أنظمة الظلام وفقهاء الأمية، بحسب أهوائها ومتأرجوا طلبات مطامعها الأنانية، من أجل البقاء أطول فترة ممكنة في السلطة من جهة، أو بغية نشر الأفكار والتأويلات المتحجرة من جهة ثانية؟



الأمية تعني، في السُلّم الأول للتعريف، عدم التمكن من القراءة والتحميل كتابة، وهي أحد مقاييس تخلف أو تقدم أمّة من الأمم، وإزالتها يعني بلوغ المرحلة الأولى على طريق تقدم بني البشر. لكن هناك أمية أخطر منها بملايين المرات، إنها أمية المثقفين أوالمحسوبين على الثقافة. وهؤلاء ينقسمون بدورهم على صنفين: صنف لا يدري أنه جاهل، وصنف يعرف محدودية إمكانياته المعرفية، ويدرك ضمنا مقدار جهله، إلا أنه يوغل في جهله وتعزيز دوره التجهيلي في المجتمع. هؤلاء، تجدهم في كل مكان يملأون الصحف والأحزاب السياسية والنقابية والمنابر الدينية والمؤسسات التدريسية والمؤسسات الثقافية، متنقلين بسهولة وبراعة ما بين الثقافة والسياسة، ما بين سلطة القلم ، لا الإبداع، وسلطة النفوذ. يمتلك هؤلاء"المثقفون" قدرة هائلة من الوهم والإيهام على السواء. وَهْمُ أنهم يفقهون ويعرفون، وقدرة على إيهام الآخرين بحقيقة هذا الوهم! يتمتع قسم منهم بخاصية أخرى مزيدة ومنقحة، تتمثل في حاسة شم متطورة للغاية، ومِجَسّ يوجههم إلى أصحاب القرارات والمتنفذين وذوي الحظوة والشأن.





مقال اعجبني فأحببت مناقشتكم فيه




©المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى©